كيف تكتب قصة قصيرة في خمسة ثوان وبدون معلم


قد يكون عنواننا هذا عزيزي القارئ فيه بعض المبالغة .. و مستفزا إلى أبعد الحدود .. هذا من ظاهر العنوان .. أما من باطنه فهو يعكس الحقيقة بعينها ..فما كان               خيالا في البارحة أصبح حقيقة اليوم، ولو تأملت معي عصرنا هذا الذي نعيش فيه لغيرت رأيك في الحال .. إنه عصر الانترنيت والهمبورغر وكل ما هو سريع وخفيف وظريف !
إذ ليس مستحيلا أن تصبح كاتبا يشار إليك بالبنان وحتى بالبنين في مدة زمنية قصيرة.. ما علينا فمازلنا في بداية الطريق .. لكن إن كنت فعلا ترغب أن تصبح قاصا فعليك أولا أن تلم بهذا الجنس الأدبي الظريف وتكون عنه ولو نظرة صغيرة .. لن أقحمك طبعا في تعريفات أكاديمية مملة .. فللقصة هاته حكاية طويلة ..أعني في البدء كانت حكاية عملاقة، لها رقبة زرافة، فأضحت بقدرة قادر قطة صغيرة ..عفوا أعني قصة قصيرة كانت مملة جدا وترتدي عباءة طويلة فقصوا العباءة بادئ ذي بدء وحولوها إلى " ميني جيب " فصارت خفيفة .. رشيقة .. وظريفة .. ودخلت الغواية من بابها الواسع وسقط في حبائلها فحول الأدباء وصبيانهم على حد سواء ..منهم من طلق زوجاتهم الطلاق الثلاث .. أعني طلقوا الأجناس الأدبية الأخرى طلاقا لا رجعة فيه .. ومنهم من ضرب في سبيلها مبادءه عرض الحائط وأقر بتعدد الزوجات .. ( أعني تعدد الأجناس الأدبية ) ..
فتعاقبت أجيال وأجيال فجردوها من ملابسها ثم جزوا رأسها وأطرافها .. فأمست كائنا هلاميا لا إسم له .. بل شيء يزحف على الأرض وهاهو يزحف ويزحف إلى ما شاء الله ...
وإليك عزيزي القارئ بعض النصائح البسيطة التي تؤهلك لكي تصبح  قاصا كبيرا تزاحم بنتاجك الغزير فحول القصاصين ... فما دام إبداع معظم هؤلاء يقوم على أساس المغامرة وإن صح التعبير على المقامرة .. فما عليك عزيزي إلا أن تتحلى ببعض شجاعتهم "وجبهتهم " ونزرا قليلا من قلة حيائهم، وسوف نبدأ أول ما نبدأ باللقب أو الاسم .. أو إن شئت بالجنس الأدبي لهذا النوع من الكتابة .. ألا وهو " القصة القصيرة "
وبما أنك قد امتطيت صهوة المغامرة .. وركبت بغلا جامحا ..و مادام بغلك الجامح قد داس الأخضر واليابس ..فلما لا تبدع مثلا على مستوى لقب هذا الجنس ..فدع بغلك يمر بسلام، واستبدل " القصة القصيرة "  مثلا " بالقطة القصيرة " وللقطة دلالات لا تعد ولا تحصى ولها علاقة وطيدة بهذا الجنس الأدبي الظريف . لما لا !!! أو دعها تنطق هكذا " الفصة والفطيرة " أو" فظة ونظيرة " أو أتركها بلا تنقيط . والقارئ يكمل من عنده .. هذا على مستوى الجنس أو اللقب أما على مستوى النص فلك كامل الحرية عزيزي القارئ كي تعيث فيه فسادا كما يحلو لك .. وإليك بعض التقنيات البسيطة جدا .. فخذ قلما ( لايهم النوع ) وورقا وإن شأت قراطيس الإسمنت أو ما شابه ذلك .. ضع عنوانا أو لا تضعه فالخيار يعود إليك .. ابدأ بأية كلمة تخطر على بالك ثم اتبعها بالتنقيط ..أملأ صفحة .. صفحتين أو ثلاث بالنقط .. وها أنت قد أنجزت قصة قصيرة .. ولاتنسى أن ترسلها إلى ملحق من الملاحق أو منبرا من المنابر .. حتى يتسنى لها أن تنشر .. لاتقلق بشأنها، فالقارئ سوف يدبر أمره و" يكمل من عنده " .. لما لا ؟؟؟ .. فما فائدة هذا الدماغ إن لم نعصره في مثل هذه الحالات !!!
أما التقنية الثانية فهي في متناول الجميع .. الأمي والمتعلم على حد سواء .. فما عليك إلا أن تجمع قصاصات الصحف والمجلات وحتى " كاغط مول الزريع " .. لاتهم اللغة .. ثم مزقها إلى قطع متفاوتة الأحجام بعد ذلك اخلطها جيدا .. ثم خذ حفنة من الخليط وألصقها على صفحة بيضاء .. وهكذا تكون قد حصلت على قصة قصيرة فريدة، متميزة وبإمكانك أن تطلق عليها لقب " القصة الكولاجية " .. لاتنسى أن تبعثها إلى أقرب منبر ثقافي .. لا تقلق بشأنها فالمحرر سوف يتدبر أمره .. أما عن قارئك المفترض فليذهب إلى الجحيم، وإن تعذر عليه فهمها فليشرب ماء البحر .
وإن أنت فكرت يوما بضم قصصك إلى بعضها البعض وطبعها، فلك الحل الأسهل والأمثل .. فنظرا لغلاء الورق وتكاليف الطباعة الباهظة فإنني أقترح عليك عزيزي المهتم تقنية غير مكلفة .. فخذ كمية متواضعة من المادة اللاصقة وإن تعذر هذا فلا بأس بالماء والدقيق .. ورزمة من المناديل الورقية المختصة للنظافة شريطة أن تكون نظيفة .. ثم أكتب ما شئت أن تكتب .. وعنون ما شئت أن تعنون ونقط ما شئت أن تنقط .. ثم ضع الرزمة الورقية بين دفتين من الورق المقوى والأفضل أن يكون هذا الأخير مصنوعا من العلبة الكرتونية المخصصة " لجافيل لاكروا " فهي أمتن وأنظف .. وأرخص .. ولا تنسى أن تستنسخ منها عدة نسخ .. وهذا يعتمد على مجهودك الخاص طبعا . وإذا ما واجهتك معضلة التوزيع .. فما عليك عزيزي القارئ المهتم إلا أن تمتطي أعلى برج في بلدتك، شريطة أن يكون يوما عاصفا جدا .. ثم اقذف بقصصك في الهواء .. فالرياح كفيلة بأن توزعها في كل أصقاع الأرض، لكن حذار أن يزل قدمك، فتهوي بك الرياح إلى الحضيض.. حينها سيداع خبر وفاتك قبل أن يذاع صيت قصصك ..
وإلى حلقة أخرى ووجبة جديدة أعني جنس أدبي آخر و ... السلام على من اتبع الهدى .
            

تعليقات