تجاذبات الألوان والحروف في المنجز التشكيلي


تجاذبات الألوان والحروف في المنجز التشكيلي للمبدع رشيد باخوز
 القدس العربي-محمد يوب
■ اللوحة التشكيلية بألوانها وخطوطها ولمسة الفنان، تثير ذائقة المتلقي وتدفعه إلى الاســتجابة لمضـــامينها، بمعنى أن أي لوحة تشكيلية؛ هي بمثابة بنية مغلقة تفتح ذراعيها للمتلقي من خلال مظــهرها السطحي، الذي يعتـــبر بوابـــة لمعرفة بنيتها العميقة لإدراك المرئي وانتظار اللامرئي، الذي تبدعه الذاكرة المُبصرة، التي تتعدد بتعدد قرائها واختلاف وجهات نظرهم، إذ إن اللوحة الواحدة تحرك فينا مجموعة من التداعيات النفسية والاجتماعية والثقافية…
المشتركة بيننا وبين الفنان التشكيلي.
وتدخل لوحات التشكيلي رشيد باخوز ضمن هذا اللفيف البصري الذي يستفز متلقيه من خلال صدمة الألوان وجرأة الحروف المنتظمة حينا والمبعثرة أحايين كثيرة؛ وكأنه يحمل رسالة التعريف بالحرف العربي في محافل عالمية؛ ذات اهتمام واشتغال تشكيلي.
وللألوان أهمية كبيرة في فضاء اللوحات، لما لها من معان ودلالات، إذ أن اللون هو أول ما تلحظه العين؛ فهو ليس وسيطا وحسب لوصف الأشياء المرئية؛ وإنما هو حالة طقسية تتناغم فيها الحروف بالألوان، محملة بدلالات جمالية ونفسية وروحية، وكأن مارد الفن قد استيقظ داخله وطلب منه عقد زواج شرعي بين الحرف واللون؛ وهي مفارقة تصعب السيطرة عليها.
وكأنه يريد القول بأن هذه اللوحات التجريدية يمكن الاستمتاع بها بحاسة الذوق أولا، والتعبير عنها باللغة؛ التي هي في الأول والأخير عبارة عن رموز اصطلح الناس على تسميتها بأسماء تعبر عن حاجياتهم وأغراضهم.
استطاع الفنان سبر أغوار الألوان واعتصارها إلى أقصى ما فيها من دلالات بصرية وإحالات فلسفية يصـــل بهـــا إلى ما يمكـــن تسميته بالغنائية اللـــونية التي تأخــذ المتلقي إلى عوالم مليئة بالثراء والغــنى اللوني.
وهي عوالم فنية تشعر المتلــقي بأن باخوز يتقاسم مع (سيزيف) تحمل المسؤولية؛ هذا الأخير حكمت عليه الآلهة برفع الصخرة من سفح الجبل إلى أعلاه؛ أما باخوز فقد حكمت عليه ربة التشكيل الفني، حمل هم المزج بين الحرف واللون؛ وذلك بإزالة الحدود والتخوم التي يفترضها نقاء الجنس وصفاء الشكل التعبيري. 
والمتمعن جيدا في لوحات الفنان رشيد باخوز يدرك بأنه لا يعبر في لوحاته عن مواضيع بسيطة؛ لمتلق بسيط؛ وإنما يفترض في لوحاته متلقيا عميقا، يخترق وجدانه وأحاسيسه وخياله البصري؛ إذ إنه يصنع من فوضى الألوان فرجة ومتعة للمتلقي، بأن يحول غير المألوف مألوفا وغير المرئي مرئيا؛ بأن يجترح الألوان المناسبة التي تتناغم والحروف العربية المؤثثة لفضاء اللوحة. وهو بتجربته يعلن عن ولادة الحروف العربية من رحم اللوحة التشكيلية؛ معلنا عن كتابة عقد قران بين ما هو تشكيلي وما هو خطي؛ مستبعدا نظرية التخوم الوهمية التي تفصل بين أشكال التعبير الإنسانية؛ بمعنى إنه بصدد تحطيم وهم أسطورة نقاء الجنس وصفائه التي عششت طويلا في عقول بعض المتوهمين.
٭ ناقد مغربي

تعليقات