ذئاب بشرية

في كل يوم و في كل شارع من شوارع مدينتي البيضاء الناس يمشمون بخطى سريعة يلتفتون يمينا وشمالا , السرعة تنتابهم الرعب في كل مكان , ترى المرأة تتأبط محفظتها لا تعرف أتعود بها مساء إلى البيت أم لا تعود, ومن النساء من تردن مخادعة اللصوص , حيث أنهن يحملن أغراضهن فيأ كياس بلاستيكية , وهذا نوع من التمويه, اللصوص يعرفون ذلك فلا يرحمون أحدا كبيرا أم صغيرا امرأة أم رجلا.

اللصوص يتدربون على النشل بالدراجات النارية في الطريق السيار , ويتزايدون على أسرع دراجة نارية , يتدربون على كيفية نشل الحقائب ,ينزل اللص الذي يكون في الخلف إلى أدنى مستوى على الأرض ويأخذ قطعة نقدية, وهذا دليل على القدرة على التركيز و الدقة لأنه يجب أن يؤدي المهمة بإثقان.
على الرصيف يمشي خالد وزوجته يتكلم معها على صعوبة الحياة وهمومها , يفكر في السبيل الذي يمكنه من تلبية حاجيات أسرته, سأشتري بضاعة من سوق الشمال و أبيعها لأصدقائي في العمل ,و هي تقول له اسأل أصدقاءك من منهم يريد شراء حلويات رمضان أو خياطة مفارش غرف النوم. الطريق تبدو قصيرة بسبب النقاش و الحوار الذي يجري بينهما, الوقت يمر بسرعة دون شعور. وبينما هو يمشي سمع جرس الهاتف يرن قال علي لزوجته هذا أكيد مكالمة من صديقي أحمد إنه يريد مني أن أذهب معه إلى سوق درب غلف لشراء ريسيفر, أخذ الهاتف بيده اليمنى وبينما خالد يرد على هذه المكالمة وبسرعة البرق شعر بيد تصفعه وتنشل منه هاتفه النقال بطريقة غريبة تختلط فيها الصدمة و السرعة, رفع صوته قائلا الحقوا به إنه حرامي سرق مني هاتفي النقال ,التفت الحرامي مستلا سيفا كبيرا مهددا إياه أمام مرأى ومسمع من الناس الذين ينظرون بذهول واستغراب خوفا من ذئاب فوق سلطة القانون تحت سلطة الحبوب المهلوسة.

فكر علي في الذهاب إلى سوق العفاريت وهو سوق تباع فيه البضائع المسروقة لعله يجد هاتفه, قام بجولة بين كل الأزقة التي تباع فيها الأدوات الالكترونية المستعملة, وفي لحظة استرعى انتباهه شاب يحمل في يده هاتفا نقالا شبيها بهاتفه توقف مليا لا يريد التسرع, فقال خالد لهذا الشاب بكم هذا الهاتف قال له ب 300 درهم قال له اعطني إياه لأتفحصه , وبينما هو يضغط على أزرار الهاتف تأكد علي أن هذا الهاتف هو هاتفه الذي سرق منه , قال خالد للشاب هذا هاتفي سرق مني البارحة, قال له ذلك الشاب هل هذا الهاتف مصنوع خصيصا لك و هل هو في اسمك , اذهب لحالك وإلا كسرت رأسك, اجتمع حوله الفضوليون هذا ظلم كل الهواتف من هذا النوع متشابهة , رجع خالد إلى بيته وهو يصبر نفسه ويواسيها المظلوم أصبح ظالما و الحرامي أصبح مظلوما.

لو كان خالد رجلا مهما في المجتمع , وفي هاتفه أرقام مهمة لأحضروا له هاتفة و الحرامي في أبع وعشرين ساعة أو أقل, ستتحرك الدوريات في كل مكان وتستدعي كل اللصوص من جميع الأحياء و الدروب لأنهم معروفين بأسمائهم و أوصافهم.

و أنت تمشي في شوارع مدينتي البيضاء ترى النساء يحركن شفايفهن أتساءل أحيانا ماذا تقلن هؤلاء النسوة, ومرة طرحت هذا السؤال على امرأة تمر أمامي, قلت لها أسألك سيدتي وقبل أن أكمل السؤال رفعت صوتها وقالت انقدوني, انقدوني حرامي, يا سيدة أنا لست حراميا, أنا أريد أن أسأل فقط, فاجتمع جمهور من المواطنين أصبحوا اليوم أشرافا وعندهم عزة نفس فأشبعوني ضربا , وبعد ذلك تأكد أحد المارة من هويتي وقال لهم لقد أخطأتم في حق هذا الرجل إنه يريد مغازلة هذه المرأة و التعرف عليها, لفق لي تهمة أخرى, قلت له يا رجل ماذا تقول أنا تخلصت من تهمة وتريد أن تلفق لي تهمة أخرى فأنا أريد أن أسالها وحب الفضول هو الذي دفعني لهذا المشكل , لو كنت حراميا لكنت مسلحا ولا يقدر أي أحد من مواجهتي, أنتم تتركون اللصوص الذين يعترضون الطريق في الليل و النهار وتتحامون على الإنسان الغلبان.

قطع الطريق ونشل الحقائب و الهواتف أصبحت تجارة مربحة, حتى القانون غير صارم في حق هؤلاء المجرمين الذين يروعون أمن الناس و استقرارهم, تحكم عليه المحكمة بشهرين وعندما تسالهم يقولون لك ماذا فعل إنه فقط سرق هاتفا و العقوبة تكون على قدر الجرم الذي ارتكبه,ونظرا لأن العقوبة بسيطة فإن اللصوص اغتنوا من وراء هذه الحرفة التي لا تحتاج إلى رأس مال ولا إلى مجهود يذكر, ما تحتاج إليه هو أخذ حبتين من الحبوب المهلوسة , ويستل سيفه ويخرج الى الشارع ,و مدخوله اليومي قد يتجاوز مدخول موظف في الإدارة الحكومية.

لماذا يدرس ولماذا يشتغل الشباب , إن من الأوساط الطلابية من يمارس هذه الحرفة فيأتي إلى القسم وهو يلبس لباسا باهض الثمن وعندما تسأله, أين يشتغل أبوك يقول لك أبي ميت ومن يعولك يقول لك لا أحد إذن من أين تأتيهم كل هذه النقود.

ذئاب بشرية فوق القانون الويل ثم الويل لمن يعترض طريقهم, الشرطة تخلي لهم الطريق , وهم دائما يسوقون دراجاتهم عكس المواطنين في الجانب المعاكس للطريق, ويوقفون المواطنين الغلابى الذين نسوا ارتداء الخوذة أو الإضاءة خربانة.

الشرطة في خدمة الشعب هذا الشعار أصبح قديما لأن الشعار الجديد هو الشعب في خدمة الشرطة فكم مرة يدافع المواطنون عن الشرطة, لا عيب في هذا لأن العمل ينبغي أن يكون متكاملا, فمرة كنت أمشي في الطريق ورأيت اللصوص يسرقون رجلا عجوزا تدخلت مع أصدقائي أبناء الحي وأمسكنا أحد اللصوص وأشبعناه ضربا فأخذونا إلى مقر الشرطة واستفسرونا وقالوا لنا يمنع عليكم ضرب اللصوص عليكم القاء القبض عليهم وتقديمهم للشرطة حفاظا على حقوق المواطنين وهذا اللص هو كذلك مواطن, فقلت له انه مواطن ولكن ليس في دمه رائحة الإنسانية بل إنه ذئب في هيئة إنسان.

محمد يوب