المنهج البنيوي و فشل التجربة
إن إشكالية المناهج الأدبية أصبحت من أهم المواضيع المطروحة على الساحة الأدبية وتستوجب على الباحث معرفة واسعة بفلسفتها النقدية و الإلمام التام بمفاهيهما قصد إعطاء صورة شاملة عن كل منهج من هذه المناهج, وخاصة أنها في حركة جدلية , حيث إن كل منهج يفرض نفسه مدة من الزمن ثم يأتي منهج اخر ليتجاوز المنهج السابق عليه , هكذا ذواليك ولا يبقى في النهاية ظاهرا معجبا به إلا المنهج الجديد , و المنهج البنيوي بدوره أثار ضجة كبيرة في ميدان النقد الأدبي , ولمعرفة و استيعاب مكوناته ومبادئه لابد من تقصي الجذور الأولى التي مهدت الطريق لبروزه كمنهج نقدي شكل فيما بعد مدرسة مستقلة بذاتها لها زعماؤها ومؤيدوها, وتدرس الانتاجات الأدبية في ضوء مفاهيمها الخاصة.
لعل المنهج الشكلاني هو المرتع الأول الذي استقت منه البنيوية أصولها ومبادئها, زقد ظهر هذا المنهج في فترة زمنية كانت روسيا تعرف أزمة المناهج , و لم يكن هناك مسيطر إلا المنهج السوسيولوجي الذي كان ينظر إلى العمل الأدبي على أساس أنه انعكاس للمجتمع بطريقة الية نافيا بذلك القيمة الفنية للعمل الأدبي.
و أمام هذا الوضع المتردي للنقد الروسي ظهر المنهج الشكلاني على يد جماعة من النقاد مثل : شلوفسكي و جاكبسون و تينيانوف...... وكانوا متهمين بالخروج عن المبادئ الماركسية, و قال تروتسكي موضحا غضب الماركسية عليهم في كتابه المشهور ( الأدب و الثورة): (( إذا ما تركنا جانبا الأصداء الضعيفة التي خلفتها أنظمة أيديولوجية سابقة على الثورة , نجد ان النظرية الوحيدة التي اعترضت الماركسية في روسيا السوفياتية خلال السنوات الأخيرة هي النظرية الشكلانية في الفن)).
و على المستوى الفني كان أهم ما أثار اهتمامهم نتاج الشعراء الرمزيين الذين حملوا اللغة بمعطيات فلسفية وصوفية رمزية , فقد حاول الشكلانيون تخليصها من هذه المعطيات السابقة التي عانت منها مهتمين بدراستها صوتيا وتركيبيا وذلك بالاعتماد على اخر ما توصلت إليه العلوم من نتائج في علم اللغة و الصوتيات إلى درجة أنهم كانوا يستعينون في ذيك بالفيزياء و الرياضيات.
و الملاحظ هو أن الشكلانيين لم يهتموا بالجانب الاجتماعي و السياسي للأدب و لا بذات الأديب بل ركزوا على اللغة فقط وتركوا جانبا كل المضامين الفكرية, ولذلك سمى لوكاتش منهجهم ب(البنيوية السكونية).
غير أنهم في مرحلة لاحقة سيتراجعون عن كثير من مبادئهم ذلك أنهم سيستفيدون من التحليل الاجتماعي الماركسي حيث إنهم ركزوا على المعطيات التاريخية للأدب لأن الحياة الاجتماعية تدخل في ترابط مع الأدب بمظهرها الكلامي قبل كل شئ.
وكان هذا الانزياح عن مبدئهم الأساسي في التعامل مع الظاهرة الأدبية إيذانابموتهم وتقاعس مفعولية منهجهم فتفرقت مدرستهم بالاضافة إلى مواقفهم السياسية, لكن جاكبسون لم شتات المدرسة الشكلانية بعد رحيله إلى براغ وأسس فيها( حلقة براغ) اللسانية التي أحيت مفاهيم المدرسة الشكلانية الروسية, و كانت هذه الحلقة سببا في شيوع هذا المنهج و استمراره حتى وقتنا الحاضرتحت اسم جديد هو البنيوية structuralisme التي تزعمها في وقت من الأوقات بعض تلاميذ الشكلانيين الروس مثل تودوروف و بارث...
محمد يوب
تعليقات
إرسال تعليق
شكرا لحضورك واهتمامك