إذاعة مزاب

إذاعة مزاب
جلس كبور ولد منانة على شرفة المقهى التي تقابل باب بيته، الطريق ضيقة و محفورة، تتوسطها برك مائية خلفتها الأمطار الماضية،الكرسي مكسور يتمايل يمينا وشمالا ، يحدث صريرا انزعج كبور من صوته ، بدأ ينقر على الطاولة بأصابعه التي حفرتها أخشاب صناديق الخضار .



كان الجو باردا ، وضع على رأسه تقية تغطي صلعته و تقيه من برد الشتاء القارص . أشار إلى النادل ناولني براد شاي بالنعناع و الشيبة ، ملأ الكأس ثم أعاد صبه في البراد ، ازداد الجو برودة وضع يديه على غطا البراد لتدفئتهما ، أشعل سيجارة ، سحب نفسا طويلة ، أخرج الدخان من أنفه و كأنه مدخنة حمام يشتغل بالأخشاب ، يفكر في مشروع يريحه من متاعب ومشاكل عربة الخضار ، إنه يعاني كل يوم من ابتزاز المخازنية ، لقد سحبوا منه الميزان وبعدها باع الحمار، أوقف العربة بالجوار قريبة من الدار ، احتلت مكانا مناسبا في الملك العمومي .


الشيخ لا يبالي و القائد يؤدي أقساط شقته من علاوات المواطنين المخالفين للقانون ، المنتخبون يوزعون الرخص ويقضون حاجيات الناس بابتسامة يمهدون للانتخابات القادمة.


احتسى كبور كأس الشاي المنعنع في شفطتين ، رمى السيجارة من يده ، أخذ مفتاحا ومفكا ، فك العجلتين ، ووضع العربة على حجرتين كبيرتين ، سقفها بسقف من القصدير ، دهنها بدهان ملون بالأبيض و الأخضر ، علق فوق سقفها علما يرفرف وكأن العربة أصبحت ملحقة إدارية أو صندوقا بريديا لإيداع الرسائل ، أوصلها بسلك كهربائي مربوط بمصباح ، اشترى تلفازا و ديفيد يا ، يبيع السيديات ، تجارة مربحة لا خسارة فيها ، علت أصوات المطربين و المطربات ، مكبرات الصوت في كل ركن وزاوية ، شيخات وادي زم و الداودية ، أفلام جديدة من هوليود و سوريا و القاهرة ، شاهدها كبور ولد منانة قبل النقاد السينمائيين و الجمهور، لجنة المراقبة لا تبالي ضاع حق البسطاوي ورشيد الوالي ، ضاع بالخياط و الدكالي .


الزبناء في المقهى يناقشون خطة حسن مومن ولومير، الفريق الوطني بدون وطنية ، رصيد كبير في البنوك الدولية تحليلات رياضية ، لا بد من الاعتماد على منتخب من اللاعبين المحليين و الاستغناء عن الدوليين.


وفي الصف الخلفي بجانب الحائط يجلس شاب قوي البنية رفع صوته مدويا اتركونا من كرة القدم ، و انظروا إلى الراقصات كيف يحركن أردافهن ويتمايلن بشعورهن . تسمرت عيون رواد المقهى على التلفاز ،على الشاشة الداودي يغني (أنا غا داودي بوهالي اش بغيتوا عندي) ، نادى أحد الجالسين غيروا هذه الأغنية لأن الداودي لا يغني على مزاب ، فكريان المزابيين لا يسكنه إلا أبناء مزاب ، وعلى الداودي أن يغني عن العلوة .


يجلس كبور ولد منانة على كرسي بجانب عربته التي أصبحت دكانا سماه( أستوديو مزاب) ، زبائن مختلفة الأذواق و الألوان ، أغاني شعبية ، أفلام هندية ومصرية و أخرى تحت الطلب بورنوغرافية، على الواجهة صور المطربين و المطربات وفي الداخل كراتين الخمور و المخدرات ، الزبائن بالليل و النهار ،يبيع بضاعته للكبار و الصغار .


كريان المزابيين قلعة مهجورة ، معزولة ، فوق سلطة القانون و العدالة ، هادئ بالنهار ، وجوه الناس مبتسمة يتبادلون التحايا ، تسمع أصوات طنجرات الضغط ، رائحة الطعام تفوح من كل الاتجاهات ، وعندما يرخي الليل خيوطه تتحول زبائن كبور إلى وحوش كاسرة تقطع الطريق ، فالداخل إلى كريان المزابيين مفقود و الخارج منه مولود ، يتحول إلى ساحة معركة يتعاركون بالسيوف و الهراوات ، وترى فيه مشاهد سينمائية حقيقية ، اللقطة فيه لا تتكرر مرتين، بطلها كبور ولد منانة.


محمد يوب


18-12-2009