توبة شيطان
عند باب السجن الفلاحي تقف فاطمة ، جاء دورها للتفتيش ، سألها الحارس ما في هذه القفة ؟ قالت فيها بعض الحلويات و الفواكه و ترس من السجائر، ألقى نظرة خاطفة على جوانب القفة ، عبرت دهليزا مظلما في نهايته فانوسا بالكاد يضيئ الحائط المعلق عليه ، أصبحت فاطمة تعرف الطريق إلى ساحة السجن ، حيث يلتقي الزوار بالمساجين ، التفتت يمينا فإذا بكبور يجلس على أريكة من حجر أثلجت مؤخرته ، نهض واقفا قبلها وضمها إلى صدره ، نزلت دمعة من مقلتيه ، أحست فاطمة بحرارتها ، حققت فيه جيدا، تأملت وجهه الشاحب ، تبدوا عليه اثار السجن و الندم ، سألها عن أمه و عن أولاده، يكلمها و نظرات عينيه موجهتان إلى الأرض من خجله على فعلته التي لا تغتفر ، إنها كانت تحذره دائما من تعاطي المخدرات و ترويجها .أحست فاطمة بأن نبرات كلامه قد تغيرت ، أصبح هادئ الطبع ، أطلق لحية علاها الشيب أسفل الدقن، تشعر و كأنها تكلم رجلا غريبا ، سبحان الله ، أين اختفت عصبيته ، انفعاله ، نظرات عينيه الحادتان التي يشع منهما بريق الشر و العدوان، كل هذه الصفات محتها جدران السجن .
لقد التقى في الزنزانة بمجموعة من الشباب ، يقومون لأداء صلاة الفجر، يتزعمهم شيخ هو أميرهم ،يلقي عليهم دروسا في العقيدة و التفسير ، وجد كبور نفسه محرجا، الناس تصلي وهو نائم ،إنه في عالم اخر بعيدا عن البيئة التي عاش فيها ،في الزنزانة رفوف علقت عليها المصاحف و المسابيح ، وفي بيته كانت ترس كراتين الخمور و أكياس المخدرات .
في إحدى الليالي وجد كبور نفسه وراء الإمام لأداء صلاة العشاء ، عانقه الجميع وهنأوه على استقامته وهدايته ، وبعدها حضر معهم درسا في العقيدة يتحدث عن الاخرة والجنة و جهنم ، وأن هذه الحياة عابرة لا فائدة منها ، السجن أرحم للإنسان من حياة الحرية، سمع لأول مرة بعض الكلمات الغريبة عن معجمه مثل الثورة والبورجوازية وحقوق الإنسان.
عندما انتهى الدرس اتخذ من الزنزانة مكانا قصيا جاءه الشيطان أحس بأن كبورا لقمة سائغة يوجهه بالطريقة التي يحب ، قنبلة موقوتة يمكن تفجيرها في الزمان و المكان الذي يحدده، ما يحتاجه هو بعض التعديلات و التغييرات في عقليته ويعلمه بعض تعاليم الفكر الثوري الانتحاري.
جاء موعد الزيارات من عادة كبور أنه يسبق فاطمة إلى ساحة السجن ، لكن الحال هذه المرة قد تغير ، إنه يمشي متثاقلا بالكاد يحرك رجليه، رأته زوجته ارتمت عليه ، احتضنته شعرت ببرودة في اللقاء ، كان يقبلها ويضمها إلى صدره لدرجة إثارة انتباه الزوار و المساجين، ماهذه البرودة لماذا تغير ، تكلمه و لا يرد عليها ، وإن رد عليها يرد بسؤال ، لماذا تأتين إلى السجن بمفردك؟ لماذا لا تلبسين الخمار؟ إن لباسك لباس المتبرجات و الله يغضب عن المتبرجات .
شعرت فاطمة بتغير واضح في طبيعة كبور الهادئ الوديع الذي أحبها بشكل جنوني ، كان يتقاسم معها التفاحة يتناولها من جانب وتتناولها هي من الجانب الاخر، إنها قمة الحب العذري و الاخلاص في تبادل المشاعر، تذكرت أيام كان يشتري لها الباسكويت الذي تحبه ، والسهرات الحميمية التي كانت تجمع بينهما كل يوم .
جاء اليوم الذي سينهي فيه كبور العقوبة السجنية هنأه الشيطان على سلامته و إطلاق سراحة سلمه عنوانا يسكن فيه الشياطين ، لفوه بحزام ناسف أوهموه أن أعداء الدين يسهرون في الفندق البديع توجه يتمايل يمينا وشمالا اعتقد الناس أنه سكران ، ابتعدوا عن طريقه تلمس جانبيه ، استفاق من غفلته تذكر أمه وأولاده وزوجته ، أبعد يده عن الزر الأحمر وضغط عن الزر الأخضر لإبطال المتفجر ، رجع إلى بيته حفر حفرة كبيرة رمى فيها القنبلة و زرع فوقها شجرة زيتون يانع تؤني أكلها كل حين .