أم البنات

دخلت أم البنات غرفة العمليات ، كانت الساعة تشير إلى منتصف الليل وبضع دقائق ، الممرضة تنادي الطبيب المناوب ، من فضلك أيها الطبيب التحق بسرعة إننا نواجه ولادة طارئة ، دخلت الأم في غيبوبة المخدر ، تناول الطبيب المبضع شق البطن ، خرجت فتاة جميلة إلى الوجود ، وردة مفتحة فجرت صيحة مدوية ترفض الواقع الأليم المفروض .

  استيقظت الأم من التخدير التفتت يمينا رأت عيونا تبحلق في السماء تحرك رأسها ذات اليمين وذات الشمال ، انحنت جانبا ،مالت جهة اليمين شعرت بألم شديد يمزق الجرح الجديد، سالت قطرة دم ساخن شعرت بها الأم تسري بين جوانب جسمها المنهك النحيل ،تحملت جرح الجسد ، تخاف  جرح المشاعر ، تخاف كلام المعلم علال .
 التقطت الرضيعة تفحصتها وجدها أنثى قبلتها حمدت ربها على كمال خلقتها ، أرضعتها ،أشبعتها حليبا بدأت الطفلة تداعب ثدي أمها شعرت بالحنان ، وضعتها جانبا ....
انتظرت الأم  طويلا ، تفكر في رد فعل زوجها ،عيناها مركزتان على الباب تسمع صوت أقدام قادمة تجاه غرفتها ، فتح الباب دخل علال توجه صوب المولودة وجدها أنثى : رمى بها جانبا شعرت الطفلة بخضة أفزعتها وبدأت تبكي  ، اسود وجهه قطب جبينه ، تلفظ بكلام قبيح ، التفت إلى زوجته وقال : أتنقصني البنات ؟ إن هذه البنت هي السادسة ، إنني أريد ولدا يحمل اسمي ويرعى مشاريعي من بعدي ، فتح الباب ثم خرج وأغلقه بقوة أيقظت المرضى من مضاجعهم .
استمرت الطفلة في البكاء أخذتها أمها مرة أخرى احتضنتها طبطبت على ظهرها ، تحاورها في صمت ما ذنبك يا بنيتي ؟ بل ما ذنبي أنا ؟  هذا قضاء الله وقدره هو يعطي من يشاء البنين و يعطي من يشاء البنات .
في العام القادم وفي نفس المستشفى وعلى نفس السرير ولدت أم البنات ولدا ، هلل علال وطبل ، ذبح الذبائح وأقام الأفراح و الليالي الملاح ،استبشر خيرا بهذا الولد ، أدخله مدارس أبناء الأعيان ، عاشر رفقاء السوء تعلم كل أنواع المخدرات، زار كل سجون البلد . ماتت  أم البنات كمدا وحزنا على أفعال ابنها الوحيد .
أصيب علال بمرض عضال منعه من مزاولة كل الأعمال ، سقط طريح الفراش ،، يتذكر أيام كانت زوجته تطبخ وبناتها بجانبها يكنسن الفناء ويغسلن الأدراج بالماء و الصابون ،كن يغسلن رجليه الخشنتين بالماء الساخن و الملح .        
  يأتي ابنه إلى البيت آخر الليل ، يسهر مع أقرانه تسمع قهقهاته في رحاب البيت يغطي صداها أنين الأب المكلوم ، يحتاج لمن يعينه على قضاء حاجته في الحمام ،نادى بصوت عال كسرته أصوات مكبرات الصوت ، بحت حنجرته ، التقط الهاتف المحمول تردد في الاتصال  بابنته الصغيرة ، ركب الأرقام الثمانية ضغط على الزر الأخضر تراجع وهم بإلغاء المكالمة ، التقطته ابنته كان لديها إحسان بأن أباها أصابه مكروه، قال لها بصوت يغمره أنين المرض: ألحقيني أنا أبوك إنني مريض أصارع الموت فبل أن يكمل علال كلامه رمت ابنته السماعة دون وعي منها ، وركبت السيارة مع زوجها وجاءت إلى بيت أبيها و أخذته ليعيش معها  ما تبقى من عمره في راحة و هناء ........

                محمد يوب
28-01-10