المنهج التقاطعي كبديل لمعرفة النص
كتاب "في معرفة النص " ليمنى العيد نموذجا
بحث جامعي 1985
وهذا
المنهج الذي نحن بصدد دراسته ( تقاطع ويتقاطع مع الواقعية في ذهابها
باتجاه المرجع كما تقاطع ويتقاطع مع البنيوية في ذهابها باتجاه النص في
قوانينه الداخلية ) ومن هنا جاء مصطلح التقاطعي كاسم لهذا المنهج الذي
تتبناه يمنى العيد ونعبر عن هذا المنهج من خلال هذه الخطاطة .
المرجع
البنيوية المنهج+ التقاطعي النص
الواقعية
و
المنهج التقاطعي في تعامله مع الظاهرة الأدبية لا يعزل بين بنيتها
الداخلية و البنية الخارجية كما تفعل البنيوية التوفيقية ، إنه يعمل على
دراسة هذا الخارج في حضوره داخل البنية الفنية أي أنه عندما يدرس الداخل
يهتم في نفس الوقت بخارج النص حتى لا يقع في عملية الإسقاطات التي تمرر من
خارج النص و التي تجعل البنية الخارجية غريبة عما ترمز إليه اللغة داخل
النص الأدبي ولهذا فإن النص ليس ( داخلا معزولا عن خارج هو مرجعه ، الخارج
هو حضور في النص ينهض به عالما مستقلا ، وعليه فإن النظر في العلاقات
الداخلية في النص ليس مرحلة أولى تليها مرحلة ثانية يتم فيها الربط بين
هذه العلاقات بعد كشفها وبين ما أسميه الخارج في النص) .
إن هماك علاقة جدلية دائما بين البنية الداخلية و البنية الخارجية لأن الأديب عندما يكتب نصا لا يفصل بينهما لأن اهتمامه بجانب معين يجعله ينفي قيمة الجانب الثاني ، ولهذا فإن الشكل ينبع من المضمون ليعود مرة أخرى ليغذيه ويبنيه ومن هنا تبقى العلاقة بينهما ضرورية أثناء العملية النقدية لأنه لا يمكن الفصل بين الشكل و المضمون كما لا يمكن الفصل بين الإبرة و الخيط أثناء عملية الخياطة.
و
الدراسة النقدية عند يمنى العيد تنطلق من اللغة باعتبارها الجسر الذي يؤدي
إلى المرجع وتساعدنا على كشفه لأن الناقدة لا تهتم باللغة في حالتها
السكونية كما كانت عند سيسير بل تهتم بها في حركيتها وتاريخيتها وذلك
انطلاقا من مفهومها الباختيني الذي ينظر إلى اللغة في غيبة عن معناها
المعجمي القاموسي إنها تنظر إليها في انفجارها وإعطائها دلالات متعددة ،
ومن هنا فإنها تنظر إلى اللغة عندما تنحرف عن مدلولها وتتخذ دلالات متعددة
ترمز إلى مواقف أيديولوجية في المجتمع ، أي أنها تتضمن حمولات أيديولوجية
يجب على الناقد كشفها داخل النص لا خارجه لكي لا يقول الناقد النص أشياء
لا يهدفها و لا يريد الإدلاء بها .
واللغة
كذلك ليست من انبثاق البنية الذهنية ، إنها ذات منطلقات اجتماعية لأنها
تتم بين الأفراد فكل واحد يوجه خطابه إلى الآخر حسب توجهاته الأيديولوجية
وخلفياته المبيتة ، ولهذا فإن تعبيرنا لا يتكيف مع بنياتنا الذهنية فإن
هذه الأخيرة هي التي تتكيف مع تعبيرنا ومع توجهاته وسبله ، إن الإنسان في
هذه الحالة لا يخرج من جهازه الذهني إلا تلك الصرخة الحيوانية وعندما تخرج
إلى الواقع الاجتماعي تتخذ دلالات متعددة بتعدد أوجه النظر إليها و محاولة
تفسيرها لأنها ذات كثافة دلالية تولد هذه التعددية في القراءة لأن ( عدد
القراءات ليس محدودا أبدا فإمكاناته هي إمكانات اللغة في التعبير لا حصر
لها ولا حد ).
ولهذه
الاعتبارات المتعددة تبقى اللغة أكثر ارتباطا بالمجتمع منها بالبيات
الذهنية وخاصة أننا نعرف بأن المجتمع ينمي القاموس اللغوي لدى الفرد ويعطي
للكلمة أبعادا مختلفة لا يفهمها إلا أبناء هذا المجتمع ، ومن هنا جاء
اختلاف اللهجات و إدراكها من طرف الناطقين بها فقط ومن تم يبقى ( الوضع
المجتمعي الأكثر مباشرة و الوسط المجتمعي الأوسع يحددان كليا نية القول )
و السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح هو ما هي طبيعة هذه البنية الفنية الشكلية
التي ركزت عليها يمنى العيد و اعتبرتها المفتاح السحري الذي يمكننا من
معرفة الهياكل الاجتماعية في النص وكشف مرجعه ؟ و الجواب على هذا السؤال
يجب أن نتفق على طريقة في العمل وهي أننا سنفر بين البنية الفنية و البنية
الواقعية لسبب واجد هو معرفة خصائص كل بنية و تسهيل التعامل معه .
أ- البنية الفنية :
كما
سبق أن قلت بأن يمنى العيد تركز على ضرورة الدراسة الداخلية للعمل الأدبي
قصد معرفة خصائصه الخارجية المرجعية ،، إن اللغة ترقى من المرحلة السكونية
كتراكيب لغوية ونحوية يتداولها الناس عبر نشاطهم الكلامي و تحويره حسب
رغباتهم وخلفياتهم وبذلك تصبح اللغة تعبيرا يختلف من فرد لآخر و اللغة إذا
بقيت بعيدة عن السياق الاجتماعي و التاريخي وانحصرت في مجال التركيب فقط
تجمد وتبقى في حالتها السكونية .
وتجمد
التركيب يعني بقاءه خارج الحركة التاريخية للسياق التخاطبي ، ويعني أيضا
تراجع التركيب مرتميا في عزلته ، وعندما نتحدث عن التركيب لابد من ذكر
اللغة ككلمات تكون في تراصها تركيبا سكونيا ، لأنها بدورها عندما تجمد
وتكرر نفسها في إطار الحالة السكونية الثابتة تفقد صراعيتها وتتجمد اللغة
عندما تفارق الكلام الفردي الذي يولد الحركة داخل النص ، وهي بعملها هذا
ترفض الدراسة البنيوية الوصفية التي تعزل البنية الداخلية للعمل الأدبي
مكتفية بخصائصها الشكلية ، أي حصر بنية النص على مستوى التركيب دون
تجاوزها إلى مستوى الصياغة و التعبير وهم بذلك يحنطون اللغة ويهيكلونها
بادعاء العلمية و الدقة في الدراسة و التحليل ، إنهم في هذه الحالة
يساعدون الأيديولوجية المسيطرة على استمرارها وتواجدها الدائم داخل
المجتمع ، لذلك دعت إلى ضرورة اعتراف العمل الأدبي بالصراع و التناقض بين
العناصر المتواجدة في عالم النص وخاصة أن ظروف الوطن العربي تستدعي هذا
النوع من الكتابة التي تعتبر رصدا لهذا الواقع الملئ بالصراعات و
التناقضات .
ومن
هنا فإن الخطاب الأدبي ليس لغة معزولة وليس مرجعا معزولا بل هو وصف للغة
كتركيب و الصياغة كمعطى و داخل سياقه الاجتماعي المشحون برغبات و أهداف
المتكلمين ، إنه بهذا المعنى تجاوز اللغة كتركيب قواعدي أو معجمي و دخول
مع مرجع النص في إطار بنية موحدة تجمع بين البنية اللغوية و البنية
الخارجية لأن ( الكتابة ليست مسألة لغة ومفردات ومصطلحات أو تركيب صور ،
الكتابة قول أي نطق بهذا الذي نعيش به كيومي نخشى أن يتفتت و يتبعثر ويغيب
و يصمت .....الكتابة هي صياغة اليومي أدبا )
ويمكن
أن نعرف هذا التفريق بين اللغة كنظام و اللغة كتعبير من خلال هذه الخطاطة
التي تحدد مكان الخطاب الأدبي في ضوء المنهج التقاطعي:
الصياغة (اللغة /التعبير)
الكلمة / العلامة الخطاب الأدبي التركيب (اللغة/ النظام)
الكلمة العلامة
إن
الناقد يشتغل في النص في علاقة الكلمة بالصياغة وهذه هي المرحلة الحركية و
لا يشتغل بعلاقة الكلمة بالتركيب هذه المرحلة في نظر يمنى العيد مرحلة
سكونية لا تساعد الناقد على معرفة كل تيمات النص وفك ألغازه هذه المرحلة
في نظرها يهنك بها النحوي أو البلاغي.
نفهم
من هذا أن الناقدة ترفض التركيب كمعطى قواعدي نظرا لحالته السكونية التي
تهيكل اللغة ولا تفسح لها المجال لاتخاذ دلالات متعددة ، غير أن التركيب
عندما يدخل في إطار العلاقات الاجتماعية وف إطار الصيرورة التاريخية يتخذ
صياغة معينة تختلف من فرد لآخر وتختلف أيضا باختلاف السنن الأخلاقية و
السياسية و الدينية التي تحكم الصياغة .
وعندما ننظر إلى الخطاب الأدبي كلغة في حالتها الحركية و الديناميكية فيجب
أن ننظر إلى كيفية تشكله في إطار بنية فنية تعطي للعمل الأدبي قيمته
الفنية و الجمالية و هي التي تجعل منه عملا أدبيا متميزا لأن غيابها
يجعلنا نتهمه بأنه ( قول سياسي أو وعظي أو خطابي) ، وما يميزه كخطاب أدبي
هي أدبيته أي ما يجعله نصا أدبيا ، و نتساءل هنا ما هي هذه البنية الفنية
التي تنشدها يمنى العيد وتحبذها ؟ إنها بنية فنية متناقضة تتسم بصيغة
ديالوغية صراعية ينتفي فيها الانسجام و التوحد ، وهذا يعني فسح المجال
للأصوات المتعددة داخل العمل الأدبي للتعبير عن ذاتها بكل نزاهة و صراحة
وهي بذلك ترفض الصوت الواحد المنسجم الذي يعبر عن الأيديولوجية المهيمنة
على المؤسسات الأخرى ويجعلها تنظر إلى الواقع الاجتماعي من خلال منظورها
ومن خلال رؤيتها إلى العالم ، وهذه البنية الفنية تتميز بعدة أدوات تعتبر
شيئا ضروريا في كل عمل أدبي من بينها الأسلوب الأدبي ، أي أن لكل خطاب
كيفما كان نوعه أسلوبا خاصا به ، ولذلك فإن النص الأدبي يتوفر على أسلوب
ملئ بالمحسنات الجمالية و البلاغية و الموسيقية ، وهماك أيضا الزمن الذي
كتب فيه هذا النص وقد يكون زمنا ماضيا حدثن فيه وقائع هذا العمل الأدبي و
هو ما يسمى بزمن الوقائع وهناك زمن حاضر و هو الذي يكتب فيه الأديب عمله
الأدبي وهو الذي يسمى بزمن القص أو السرد وبين هذين الزمنين تتم العملية
الأدبية وعندما نتحدث عن الزمن فلابد من ذكر المكان لأنه لا يمكننا أن
نفصل بينهما بحيث لابد لكل حدث من زمان ومكان وهو ما يسمى بالفضاء الأدبي
، وضرورة حضورهما في العمل الأدبي أدى ببعض النقاد إلى جمعهما في كلمة
واحدة هي الزمكان ، وهماك أيضا رؤية الأديب التي تحدد موقفه من العام و
الإنسان داخل المجتمع فبدون رؤية لا يمكن للعمل الأدبي أن يتخذ قيمته
الأدبية و الفكرية لأن الرؤية هي التي تحدد زاوية الأديب و تجعله يسير
أحداث العمل الأدبي من خلال هذه الزاوية .
وهذه
الأدوات الفنية هي التي تعطي للعمل الأدبي أدبيته وهي أيضا التي تخلق ما
يسمى بفضاء النص المتخيل وهي أيضا التي توهمنا بحقيقة هذا الفضاء ، إن هذه
العملية توهم القارئ بحقيقة ما يكتبه الأديب وبواقعيته و تجعله ينظر إلى
هذا الواقع المتخيل كأنه حقيقة ثابتة و ملموسة ، وإذا عرفنا ما هي البنية
التي تحتضن هذا الواقع و تصوره ، فما هو هذا الواقع إذن ؟ هل هو الواقع
المادي المعاش أم هو واقع آخر غير ملموس؟
أ-الواقعية المرجعية
عندما
نتحدث عن الواقع يتبادر إلى الذهن هذا الواقع المادي المعاش الذي يحدد فيه
الإنسان موقعه ويعمل على تجاوزه قصد تحقيق واقع يحلم به طوال حياته ،
وخاصة أن الإنسان دائما يطمح إلى الأفضل و الأحسن ، ولذلك يجد نفسه دائما
في صراع مرير مع ظروف الواقع و مستجداته التي تجعل الإنسان حائرا في إيجاد
الحلول الناجعة للتخلص من مشاكله وظروفه .
لكن
تبقى هذه النظرة إلى الواقع بسيطة نظرا لأنها منبثقة من عقلية بسيطة تكتفي
بالأشياء المحسوسة و ل تتجاوزها إلى ما فوق الواقع ، ولكن هذا المافوق ل
نعني به الجانب الميتافيزيقي الهروبي ، بل نعني به حضور الإنسان داخل
الواقع الاجتماعي ولكن بتميز تام يجعله يخلق واقعا متخيلا له صفة الكينونة
و الوقوع أي أنه ليس واقعا مجردا لا حضور له في هذا الكون .
إننا
هنا إذن لا نتعامل مع الواقع المادي لأن البحث عنه يجعلنا ننظر إلى العمل
الأدبي باعتباره عمل ميكانيكيا يعكس الواقع بكل حذافيره ، إن الواقع هنا
ذو طبيعة أيديولوجية ، أي أن لغة الأدب عندما تعبر عنه تنحرف عن مدلولها
المادي المكشوف وتتخذ طابعا أيديولوجيا يكشف عن صراع مطروح على المستوى
التخيلي بمعنى أن الأديب قد يعطي حلولا لهذه التغيرات الواقعية و لهذه
الظروف ، لكنها تبقى حلولا متخيلة من خلال رؤية الأديب إلى العالم.
وهنا
تطرح قضية الرؤية ، هل هي رؤية أحادية البعد أم متعددة و متناقضة ؟ فإذا
كانت أحادية البعد فهي متعددة الصراع و الحركة ، إنها تعمل على إتاحة
الفرصة للإيديولوجية المسيطرة للتعبير عن مواقفها بحرية ، وهي نفس العملية
التي تطرحها البنية الفنية المنسجمة ، أما إذا كانت هذه الرؤية متعددة
ومتنوعة فإنها تكون متناقضة ومتحررة من الرؤية الواحدة ومن الصوت الواحد ،
وهذه العملية عند يمنى العيد تكشف طبيعة المنهج الذي تنطلق منه في إطاره
العام والشامل وهو المنهج الماركسي الذي يؤكد على الجانب الصراعي المناقض
داخل الظاهرة الواحدة ، ففي كل ظاهرة كيفما كان نوعها أدبية أو اجتماعية
أو اقتصادية ....لابد من وجود ثنائيات ضدية تعمل على خلق الحركة و
الدينامكية لإنتاج الجديد ، لأن الظاهرة ذات البعد الواحد تؤدي إلى الثبات
و الانسجام الدائم .
ونصل
هنا إلى فكرة مفادها أن الأديب عندما يتجاوز واقعه إلى واقع متخيل من هذا
الواقع لكي يثبت واقعية العمل الأدبي وحقيقته و إذا لم يكن عملا ذو طبيعة
حقيقية فإن هذا التجاوز للواقع يكون حبا في التجاوز ، ومن هنا فإن الواقع
في الأدب ( ليس هو هذا الواقع المادي الخارجي المستقل عن شعور الإنسان
ووعيه ، إنما الواقع هو مجموعة من العلاقات الدياليكتية بين الإنسان و
العالم المحيط به ، بين الماضي و الحاضر و المستقبل بين التجارب الذاتية و
الأحلام و العواطف و الأخيلة ، إن العمل الفني يوحد بين الواقع و الخيال )
.
إن
الواقع هنا هو مخزون الذاكرة الماضية و الحاضرة بحيث إن الإنسان يعايش
مجموعة من الأحداث ومع مرور الزمن تترسخ في ذهنه فتحدث تراكما تذكريا يعود
إليه الإنسان ( الأديب ) لتصفح أوراق الماضي وذكرياته و يسجله أدبا يطفح
بعالم متخيل يجعل القارئ يعيش نفس الأحداث و الوقائع التي مر بها الأديب و
كأنها حديثة الوقوع وذلك عن طريق بنية فنية واقعية تجمع فيها خصائص العمل
الفني ومميزاته ولا تترك مرجعه جانبا لأنه هو الذي يعطي لهذه البنية
الفنية حقيقتها ، و يعطيها قيمتها كعمل أدبي متميز و خالد يستمر حضوره و
تواجده في ذاكرة الأجيال القادمة ، ولعل هذه البنية الفنية الواقعية هي
التي خلدت الأعمال الأدبية الرائدة حتى عصرنا الحاضر مثل : الإلياذة و
الأوديسا و غيرهما من التجارب الإبداعية الأخرى لأنها صورت الواقع
الاجتماعي لمبدعيها وحافظت على قيمها الفنية و الجمالية .
محمد يوب 03-02-10
محمد يوب 03-02-10