مرضعتي


أعود كل يوم إلى بيتي متـأخرا ، أصبحت زوجتي تشتكي من هذا التصرف الغريب لم تتعود التأخير ، كانت تضبط ساعتها على دقات الجرس ، انتابها الشك بدأت الغيرة تتسرب إليها كالسيل في الغدير .
ذات يوم فتحت الباب كعادتي رأيتها في ركن البيت تلف كتفيها بعباءة حريرية و أمامها صحن العشاء البارد ، سألتها عن الأولاد ردت علي بصوت فيه حشرجة وقالت : إن الأولاد نائمون في غرفتهم ، لقد انتظروا مجيئك دون جدوى لقد تعودوا على التأخير.
قلت لزوجتي بأن أمي مريضة و أنا أزورها كل يوم لأتفحص أحوالها و أجلس معا بعض الوقت لأنها تعاني ألام المرض و آلام الوحدة و الشيخوخة .ابتسمت باستهزاء و قالت أنا أعرف أن أمك ماتت مباشرة بعد ولادتك ، تغاضت عن الموضوع وقالت لي : إن الأولاد هم الذين يشتكون من تأخيرك .
لم ترتح زوجتي لهذا التبرير وظل الشك يراودها و أفكار شيطانية تتلاعب بها ، فقررت إرسال ابنها الكبير ليتربص خطواتي ومعرفة مسار طريقي ، فكان ابني يلعب دور المخبر السري ، يتابع خطواتي ، يسلك الطريق بين المنحدرات و الدروب ، انعرجت يمينا و دخلت دكانا ، اشتريت بعض المرطبات و الفواكه ازدادت حيرة الولد وقطب جبينه معبرا عن حزنه وغضبه مني إنه يتخذني المثل الأعلى في حياته .
تابعت المسير وفجأة فتحت باب بيت عتيق ودخلت ، انتظر ابني مليا و فكر في الموقف العصيب وفي المفاجأة التي ينتظرها و أخيرا قرر الدخول إلى البيت من أجل ضبطي وأنا متلبس ، وعندما فتح الباب وجدني جالسا بجانب امرأة عجوز قال لي : من هذه المرأة يا أبي قلت له بفخر و اعتزاز : إنها المرأة التي أرضعتني عندما ماتت أمي .
محمد يوب22-02-10