قراءة نقدية لقصيدة بوح قلم لأم منصف


بوح القلم
حين يصل الجرح مداه
حين يصل الألم أقصاه
حين تنهار أعصابك
حين يصبح نهارك
امتدادا لليلك
وتصبح محروما
حتى من أبسط أحلامك
حين تجف دموعك
تصبح صحراء قاحلة عيناك
حين يتغلغل الألم في أعماقك
وتستسلم لجراحك
حين يصبح عمرك خريفا
وأنت في أوج ربيعك
حين يعجز اللسان عن الكلام
يحل الصمت والسكون
يخيم الظلام
تطل حروفك..

تنسج كلمات..
تجسد ألمك في سطور
تنبض بالحياة
تحكي عن ألم
تتمنى من قلبك
لو أنه مات
تطل لتخمد..
بركان غضبك
نار ألمك
فتترك رمادا..
للذكرى
ذكرى ألم صامت
لصمته حروف
تحكيها كلماتك
لا أحد يفهمها غيرك
إنه ألمك وحدك
لا أحد يحسه مثلك
ام منصف

15/04/2010




التحليل

التعبير وسيلة من وسائل العلاج النفسي الذي يمثل خمسين في المائة من المرض العضوي الجسدي ولذلك فكل إنسان يعبر بالقلم ويصاحب القلم فإنه يجد الملاذ الخصب و الأخضر لصفاء القلب و انطلاقة الروح وهذا ما لمسناه في هذه القصيدة الجميلة .
إنها تعبير صادق عما يعانيه الإنسان من آلام ولاحظ جيدا كيف كانت انطلاقة القصيدة فيها تدمر كبير و انتهت براحة نفسية لا مثيل لها سنلاحظ ذلك من خلال هذه التجربة و لتسمح لي صاحبتها .
الحروف الصوتية في مطلع القصيدة كانت حلقية خارجة من أعماق و قلب الشاعرة :حين يصل الجرح مداه
ومما زاد في شدة التدمر و الأسى استخدامها للقافية وهي حرف الهاء وهذا الحرف يعبر عن أقصى درجات التأوه بمعنى لا يوجد في الهجاء العربي حرف يأتي في درجة قبل حرف الهاء، ولاحظ معي كذلك أن الجرح ليس جسديا وإنما هو جرح معنوي نفسي سيصل الألم فيه إلى مداه وهنا كذلك وضفت حرف الهاء للتأوه.حين يصل الألم أقصاه
وبعد الجرح و الألم هناك انهيار يعني أن الشاعرة عبرت عن حالة نفسية متقدمة في الألم لا يمكن تحمله لأن الانهيار يأتي بعد توالي الضربات و الجروحات,حين تنهار أعصابك
وعند الجرح العميق و الألم الشديد و الانهيار المديد تختلط الحياة عند الانسان إنه يصبح عرضة لأزمات نفسية لا ينفع معها العلاج و المسكانات إن الإنسان في هذه الحالة تختلط لديه عقارب الساعة فيصبح النهار كالليل و الليل كالنهارحين يصبح نهارك /امتدادا لليلك
وعندما يختلط الليل و النهار يعني أن الإنسان يصبح محروما من النوم وعندما يحرم من النوم يحرم من الأحلام التي هي حق مشروع ولعلها من أبسط الحقوق التي ينتظرها الإنسان. وعندما تنتهي الأحلام تنتهي الآمال وعندما تنتهي الآمال تجف الدموع التي تعبر عن الفرحة و السعادة فالشاعرة هنا تحسسنا أن الذي يعاني من هذه الأزمات أصبح محروما حتى من حقه في البكاء إنه تعبير عن أقصى درجات الظلم و الأذية.
عندما يصل الإنسان إلى هذه المرحلة من القهر العاطفي و الظلم الشاعري و القسوة في جرح المشاعر الرهيفة الحساسة لا يبقى للإنساء إلى تفريغ هذا القهر وهذا الظلم في شكل كلمات معبرة على صفحات ورقة بيضاء ناصعة البياض بريئة تعوض عن المصاحبة التي فيها غدر و الحب الذي فيه أذية هذه الكلمات التي لاتفضح صاحبها ولا تخرج أسراره وإنما هي حافظة للسر ولا يفهمها أي أحد إلا من سطرها وحفظها .
وفي هذه الحالة أي حالة البوح و التعبير عما يعانيه الإنسان تغيرت الألفاظ و تغيرت الحروف وانتهت القصيدة بحرف هادئ وكاشف عن ظاهر مستريح وباطن مريح هو واقع الشاعرة التي أصبح مغايرا وفصيحا حيث استخدمت حرف الكاف وهو حرف ينطلق من طبقة عليا في الفم دليل على استرجاع الشاعرة التقة في نفسها بعد الكتابة و التعبير عن مشاعرها
لا أحد يحسه مثلك

لغة شاعرية جميلة تمزج بين الواقع و الخيال فيها صور بلاغية عبرت عن صجق مشاعر الشاعرة ،فيها رؤية صادقة إلى العام انتهت بالتفاؤل الذي يعطي الأمل في الحياة .
محمد يوب