قراءة لقصيدة وداعا ...الصداقة

 هدية إلى أخي قادر 10

 وداعا...الصداقة...!

الظاهر و الخفي في قصيدة وداعا الصديق
جبار...جبار...!
غادر...غدار...!
سامحه الله , يوم يشعر بالعار.
صدقته ...صادقته...
كنت له ,نعم الصديق و الجار.
أردد دائما ,قول الرسول المختار.
(الجار, الجار ثم الجار...)
وا أسفا عليه, كان غدار ...!
آمنته,بحت له بما في قلبي...
و ما تحمله الأغوار...
اكتشف ما أكنه من أسرار...
عرف موطن الضغط على الأزرار...
حدث الانفجار...!!
حقق مبتغاه,ها هو ينتشي بالانتصار...
وا أسفا عليه ...كان غدار!
رب قني شر أصدقائي.
أما أعدائي,فأ نا لهم, بالمرصاد...
عليهم سأغار...
سأنتصر وأكون البطل المغوار...
سأبقى دائما مع الأنصار... هم من يؤمنون, بقول الرسول المختار.
(استعينوا على قضاء حوائجكم بكتم الأسرار)
من يفشها ,يلق الأذى و الأضرار...!
اكتم سرك و كن صبار.
الغابة مملوءة بالذئاب...!
مملوءة...بالأخطار...!!

التحليل
القارئ/الناقد لهذه القصيدة ، قصيدة وداعا الصداقة للشاعر قادر10 يشعر بهول الموقف الذي واجه الشاعر، فكلمة جبار قوية في حروفها في تركيبتها في دلالتها ومما زاد الصورة أكثر قتامه وعنفا وقسوة تكرار كلمة جبار على صيغة فعال التي تدل على خطورة الموقف ، ومما زاد من هول المشهد الشعري الصفة التي أضافها الشاعر لاسم الفاعل جبار فهو بالإضافة إلى كونه جبار فهو غادر وغدار ، وهذا التلاعب بالصفات يبين رغبته في إثارة انتباء القارئ إلى هول المصيبة و فضاعة الجرم الذي ارتكبه هذا الجبار ، إنها مرادفات تتكرر لأنها تعبر عن شعور الشاعر بالأذى و الظلم من أقرب صديق له الذي كان حتى وقت قريب الصديق المخلص الوفي وهو كاتم سر الشاعر .
إنه خطاب ممزوج بالألم بالحسرة بالرغبة في الانتقام لكن الوازع الديني يمنع الشاعر من ارتكاب حماقة من مثل هذه الحماقات التي تؤذي صديقه الجبار الغدار ، فيرجئ هذا الانتقام إلى الله تعالى هو الذي سيأخذ له حقه منه . لأنه يؤمن بأن المسلم ينبغي عليه أن يراعي حق الجار وأن حق الجار مصان . لكن هذا الصديق الجار لم يراع هذا الحق فتعداه وانتهك حق الشاعر الذي رغم غضبه وحنقه فمازال يكن لصديقه الحب و الاحترام ، وهذه النفسية النادرة لا نجدها إلا عند إنسان شاعر مرهف الحس وينظر إلى الحياة بنظرة المتأمل المفكر الذي يغلب السلم و السلام على الحرب و الانتقام .
إن الشاعر اعتبر صديقه و جاره هو البئر الذي يطمر فيه أسراره لقد باح له بكل شئ يخبئه ، وكلمة البوح لها دلالة في القصيدة يعني أنه عبر له عن كل التفاصيل و الجزئيات التي يخبؤها عن أقرب المقربين إلى قلبه ، هذا البوح الذي يصدر من القلب إلى القلب لكن هذا البوح كان يسير في اتجاه واحد من قلب الشاعر إلى قلب جاره/صديقه ، بينما كان قلب الصديق الجار نخب هواء تخرج منه الفضائح و الأسرار فلم يكن أهلا لتحمل هذه الأسرار التي ائتمنه الشاعر عليها ، إن السر إذا تعدى الاثنين شاع ولم يصبح سرا وهذين الاثنين هما الشفتين .
إن الشاعر كان على ثقة تامة في صديقه كان يحبه لدرجة التماهي الروحي إنه وصل معه في علاقتهما لدرجة التمازج لكن هذا الشعور النبيل من الشاعر كان يصده الاتجاه الآخر الذي كان يسمع ويؤشر بإيماءات رأسه لكن قلبه كان يحمل في طياته الغدر و الكره وكل الصفات التي يتصف بها الغدار الجبار.
هذا لا يعني أن الشاعر كان أبلها لا يعرف أعداءه من أصدقائه بل كان يميز بين كل من هو صديق ومن هو عدو ، لكن لم يكن يتوقع أن يأتيه الغدر من هذا الصديق بالذات لأنه كان يحبه ويعزه كثيرا .
إن هذا التصرف الصادر من هذا الصديق الغدار قد أعطاه درسا مهما في حياته بألا يتخذ من الآن فصاعدا صديقا كما أنه حاول نقل هذه التجربة إلى القارئ ونصحه بهذه النصائح التي هي وليدة التجربة و الخبرة ناصحا نفسه و الناس بالصبر وضرورة أخذ الحيطة و الحذر لأن الحياة غابة مملوءة بالذئاب و الأخطار .
نهاية درامية نظرة مأساوية ترسخت في ذهن الشاعر تجاه البشر إنهم يتحركون أمامه و كأنهم قطيع من الذئاب يتحركون بالليل و النهار في غابة مليئة بالوحوش الكاسرة و الحيوانات الجارحة ، تصور شاعر مرهف الإحساس تحول إلى مراقب ماهر بارع في قراءة فرائس الناس وأهدافهم يأخذ الحيطة والحذر من كل من يأتي بجانبه شديد الرهبة و الخوف أصبح يعاني من فوبيا البشر التي أصبح الجرح الذي تسبب له فيه هذا الصديق الجار غائرا لا يشفى منه أبدا .
قصيدة شعرية صيغت بأسلوب سلس معبر بلغة واضحة المعاني ليس فيها تعقيدا ، قصيدة مليئة بالصور البلاغية الجميلة التي تعبر عن نفسية الشاعر المتقدة و المشتعلة بفعل الغدر و الخيانة ، خيانة الصديق الذي كثيرا ما أحبه الشاعر و أخلص له ، قصيدة تبين صدق معدن الشاعر الذي يحاول أن يطفئ نار الغضب بثلج الإيمان ، فتظهر من خلال القصيدة هذه المسحة الدينية التي تطبع مقاطعها و تتخلل مفصلياتها . قصيدة تمتح من الخيال الشعري و تأخذ من الواقع الواقعي و تمزج الخيال بالواقع وتنتج هذا العمل متخيلا يسبح بخيال القارئ في عوالم الشاعر النفسية و الاجتماعية .
محمد يوب 9-04-10