

"في قاعة الأساتذة"


التحقت بمدرستي في بداية السنة ،وقعت محضر الدخول ، صافحت زملائي ، متفرقون دائما إلى مجموعات ، يناقشون بصمت و يتحاورون ، منهم من يمسك جدول الاستعمال في يده سيبقى داخل المؤسسة ، ومنهم من ينتظر نشرات الأخبار التي تصدر عن نيابة التربية و التعليم .
أنتظر بدوري في قاعة الأساتذة ، كان الجالسون قليلين يتجاذبون أطراف الحديث ، يسأل بعضهم البعض عن العطلة الصيفية ، قال أحدهم لقد مرت الإجازة بسرعة البرق لا أعرف كيف أصبحت الأيام تتسارع ، سمعت أستاذا منهمكا يتصفح جريدة رفع صوته وقال: إن تسارع الأزمنة من علامات الساعة ، أنا لا أعرف كيف تكون الساعة قصيرة في فترة الإجازة ،و طويلة أثناء الحصة الدراسية ، تتمدد وكأنها تمشي عكس الزمن ، تضايقني تذلني ،تتلذذ في تعاستي وشقائي.
هممت بالتدخل و الإدلاء بدلوي وكنت مترددا لكن الحوار كان مغريا للتنفيس عما يخالجني و أعبر عما أشعر به ويؤلمني، وفي لحظة انفكت عقدة لساني و انغمست في الحوار دون شعور و لا مقدمات وقلت : إنني لم أستمتع بالإجازة كنت دائما أفكر في وضعيتي الإدارية ، لا أعرف أين سأشتغل هذه السنة أي طريق سأسلك، لقد تعبت من إعادة الانتشار وهدني التنقل من مدرسة لأخرى .
لا أعرف هل نحن نشتغل مع وزارة التربية الوطنية أم نشتغل مع اتصالات المغرب ، هناك فئة من الأساتذة يشتغلون بالاشتراك الدائم لا تنقطع عنهم حرارة الخط ، وهناك فئة أخرى تشتغل بتعبئة الجوال يعبأ له محضر التعيين كلما دعت إلى ذلك الحاجة . يخضعون جميعا لشبكة واحدة تتسع عيونها فيخرج منها الحوت الكبير وتضيق في مكان آخر تقتل السمك الصغير ، وما تبقى منه يتيه في بحر من النظريات و المفاهيم المستعجلة .
كل المداس تعرفني ، التحق بمدرسة في الصباح يأتيني تعيين آخر في المساء ، لابد من استكمال جدول الحصص في مدرسة أخرى ، أدرس العربية في مدرسة و أدرس التربية الإسلامية في المدرسة المجاورة ، إنها مواد متقاربة مضى عهد الاختصاص وجاء زمن سد الخصاص ، المهم هو أن تملأ الفراغ ليس بالضرورة أن يكون بما يليق و يناسب ، المهم هو أن تحضر للقسم وتراقب التلاميذ لكي لا يخرجوا إلى الشوارع .
دخلت إلى القسم و أنا كلي همة ونشاط وطلبت من التلاميذ فتح كتاب التربية الإسلامية التفت أحدهم وقال لصاحبه بصوت خافت : يظهر أن أستاذ العربية قد تشابكت لديه الدروس و اختلطت عليه المقررات ، و استرسل قائلا : لقد صدق من قال : إن كثرة الدراسة تذهب المخ ويصبح الإنسان مجنونا ، أنا يكفيني الشهادة الإعدادية لا أريد متابعة دروسي إلى النهاية أخاف أن يصيبني ما أصاب الأستاذ . إنه يدرس اللغة العربية ويطلب منا فتح كتاب التربية الإسلامية .
عندي مديران وعندي مفتشان وعندي مقرران دراسيان ، وعندي امرأة واحدة سمتني رأفت الهجان ، أتقمص عدة أدوار ، أرادوا تغيير جلدي لكن جلدي تعود على الإخلاص لهذا الميدان ، كتبي مفرقة هنا وهناك في كل مكان ، ابني يلعب بجانبي يعبث بأوراقي أصبحت عنيفا قليل الصبر أضربه أدفعه جانبا وأقول له : انتبه خذ بالك إن هذه الجذاذات فيها آيات من القرآن ، وقعت تلميذة في المدرسة أصابها انهيار عصبي ، ناداني المدير تصرف انقدها إن لديك البيان و البرهان .
محمد يوب 05-02-10

