تحت المجهر " سيزيف . كوم


سيزيف. Com




رأيته واقفا على قمة الجبل و العرق يتصبب من جبينه


سألته من تكون؟ رد علي قائلا : أنا سيزيف

قلت له: وأين الصخرة ؟

قال لي: لقد وقعت مني ، وتدحرجت إلى سفح الجبل

سألته ثانية: هل ستعاود حملها من جديد؟
رد علي مستهزئا سأجلس أمام شاشة الكمبيوتر.
http://hourria.net/vb/showthread.php?p=13071#post13071

=========
يطرح هذا النص جملة أسئلة :
1- ما دلالات توظيف الأسطورة في نص معاصر ؟
2- هل جمالية الفكرة تغفر بعض الهنات الأسلوبية ؟
3- هل أعلن الحاضر إفلاسه حتى يتسابق المبدعون إلى نبش الماضي طلبا للأفكار ؟
4- هل يُشترط تناسب الفكرة و القفلة من حيث القوة و الإدهاش ؟
5- هل الصياغة الأدبية الإبداعية شرط لازم من شروط كتابة القصيصة ؟
6- هل التكثيف من الشروط الضرورية لنجاح القصيصة ؟
</B></I>
7- إلى أي حد يمكن للحوار أن يصنع قصيصة رائعة ؟
تحياتي
/////////////////////////
نص عزيزنا سعيد يعيد الحياة للأسطورة الاغريقية بنفس جديد
ويؤولها على هواه ليجعل من سيزيف فوق القمة
ربما هو الاصرار على النجاح في عالم تغير اليوم
في عالم صارت تتحكم فيه تكنولوجيا جديدة
بمقدورها ان تضع الصخرة على قمة الجبل بيسر
يكفي ان تتحرك طائرة حوامة لتحط الصخرة اين تشاء.
شكرا سعيد على هذا النص الجميل

ابراهيم درغوتي
//////////////////////////
نص جميل مستوحى من الأسطوة الإغريقية وتم توضيفه توضيفا جيدا حيث يحيل إلى أن الغوص في تحمل أعباء الآخرين أو حمله هو بنفسه أصبح في خبر كان فالتقاعس و التهاون والتتبع لمسائل غاية في البساطة خير بكثير من أشياء قد لا تخلف من ورائها إلا الهم والحزن و....
الأخ محمد يوب من خلال تجربته ونظرته للواقع المعيش عرف كيف يعالج قضايا كبيرة بإشارة وتلميح منه في توضيف سيزيف رمز الأسطورة الإغريقية

محمد محقق
///////////////////
مرحبا بالجميع ..

إن سيزيف في هذا النص ، كرمز للعمل الكادح والشاق ، تخلى عن أعباءه ورمزيته واختار الراحة ممثلة بـ ( الجلوس امام شاشة الكمبيوتر ) .
السؤال الذي أود طرحه : ما هي الصلة أو وجه المقارنة بين ( حمل الصخرة ) و ( الجلوس أمام الكمبيوتر ) ؟! هل فقط لأن الجلوس امام الشاشة هو أحد مظاهر الراحة ؟! ماذا عن البدائل الأخرى ؟! ، ماذا لو قلنا ، على لسان سيزيف : ( سآخذ جاكوزي ) أو ( سأتابع مباريات كأس العالم ) بدلا من ( سأجلس أمام شاشة الكمبيوتر ) .
سؤال آخر : هل يستطيع سيزيف أن يتابع عمله ( حمل الصخرة ) عن طريق شاشة الكمبيوتر ، كبديل تقني يغني عن المشقة والعناء ؟! هل أشار النص لذلك ؟! لا .
إذن لايوجد صلة حقيقية خاصة بـ ( شاشة الكمبيوتر ) سوى انها أحد بدائل الراحة المطروحة ، من الممكن الاستغناء عنها ، لطرح بديل آخر . وأرى ،انه لابد أن تكون الصلة اكبر ووجه المقارنة أقوى وأكثر خصوصية بين دلالة الأسطورة وبديلها في الواقع .

هذا النص أوحى لي بقصة أخرى مستقلة ، هي وليدة لحظتها ، توظف الأسطورة وتسير على نفس نهج القصة الأخرى :

جلجامش. Com
رأيته منهكا ، و ملقا على شاطئ البحر 
سألته من تكون؟ رد علي قائلا : أنا جلجامش
قلت له: وهل عثرت على عشبة الخلود ؟
قال لي: لا ، ليس بعد 
سألته ثانية: هل ستعاود البحث من جديد؟
رد علي مستهزئا: سأعثر عليها في جوجل .


- نجد في هذا المثال، أن المحرك ( جوجل ) كان بديلا واقعيا وحداثيا عن البحث الشاق في أعماق البحار للعثور على عشبة الخلود .

تحيتي للجميع ، للأستاذ القدير الناقد محمد يوب ، ولأستاذي القدير سعيد أبو نعسة .

محمد البرغوتي

////////////////////////

أهلا بكم جميعا
وتحية لكل من ناقش وعلق
ولكن أريد أن أتحدث عن قضية مهمة في فن الأقصوصة بشكل عام وأجده ماثلا هنا بكل وضوح وهو (عنصر التكثيف اللغوي الإيحائي) وهذا الأمر هو لب العمل الأدبي الحديث بشكل عام، فليس المطلوب من الأديب أن يقول كل ما في نفسه هكذا بوضوح تام ليس لأنه يريد أن يصعب الأمر على القارئ، وإنما من أجل أن الفكرة هي هكذا في عقل وضمير الكاتب جاءت على هذه الشاكلة، فالشعر والأقصوصة الحديثين أول عامل من عوامل نجاحهما هو عنصر الإدهاش ولنقل الصدمة الإيجابية التي تولد نوعا من العلاقة بين النص والقارئ ليكون كاتبا ومنتجا آخر للنص. 
فراس حج محمد

////////////////////////

الأحبة الذين مروا والذين سيمرون ،

ليس الهدف من نص تحت المجهر أن نعلق على النص ، بل أن نحاول الإجابة عن الأسئلة المطروحة متخذين النص كنموذج تطبيقي .

فقد سبق وأن علقت عليه في مكانه على الرابط المذكور فوق ، وقلت إنها فكرة رائعة حقا ، غير ما لم أتطرق إليه هناك هو بعض التفاصيل التي يسمح لنا المجهر بالتطرق إليها ، وأغلبها يتعلق باللغة والأسلوب والحوار المعتمد . فنحن نقرأ مثلا : ( رأيته واقفا على قمة الجبل و العرق يتصبب من جبينه ) وبعدها مباشر يأتي الفعل :سألته ، فهل نفهم من هذا أن السارد كان في أسفل الجبل أم على قمته ؟
إن كان في الأسفل وهذا ما يوحي به الفعل : رأيته . فكيف تمكن من سؤاله ؟
أما إن كان على القمة بدوره فلا بد من إعادة صياغة فعل الجملة الأولى فنقول مثلا : ( إلتقيتهواقفا على قمة الجبل ...إلخ ) .

ثم إن سؤال السارد لسيزيف : أين الصخرة ؟ يدل على معرفة جيدة بالأسطورة . لكنه في نفس الوقت لم يستغل هذه المعرفة لصياغة سؤال ذكي ، فاضطر إلى التوضيح على لسان سيزيف : قال لي: لقد وقعت مني ، وتدحرجت إلى سفح الجبل ، وهذا يبدو لي صراحة غريبا ، وتفسيرا لا يخدم القصيصة على الإطلاق ، فهو من جهة يعرف قصة سيزيف وفي نفس الوقت يسأله عن الصخرة وكأنه لا يعلم أنها تتدحرج تلقائيا كلما وصل سيزيف إلى قمة الجبل !!

ولكي يحدث السارد المفارقة أبى إلا أن يسأل سؤالا نعرف كلنا الإجابة عنه ، لكن إجابة سيزيف تصدمنا لأنه في ما يبدو اختار ما ذهب إليه ألبير كامو في مقالته الطويلة ( أسطورة سيزيف : Le Mythe de Sisyphe‏ )
كحل لمسألة العبث وهو ( التمرد ) .

ما أود أن أقول بالضبط إن الحوار بدا متصنعا ومتكلفا رغم أنه حقق المفارقة ، وأوصل الفكرة . وفي رأيي المتواضع لو أن الكاتب اختار موضع سفح الجبل وسيزيف جالس بجانب الصخرة منشغلا بمواضيع على النت أمامه في حاسوبه المحمول لربما كانت الصياغة أجمل .

والله أعلم .

مودتي.

عبد الرشيد حاجب
////////////////////////////

بسم الله الرحمن الرحيم....

أشكر الإخوة الكرام على دعوتهم لهذا الحوار الجميل...لمناقشة قصيصة "سيزيف.com لكاتب و أديب فاضل من حجم محمد يوب...

يطرح هذا النص جملة أسئلة :
1- ما دلالات توظيف الأسطورة في نص معاصر ؟

الدلالة هي تجديد فكرة الصراع - التحدي التي عرفها الإنسان القديم كما يعرفها الإنسان المعاصر مع اختلاف في الأسلوب و الأدوات المتاحة...

2- هل جمالية الفكرة تغفر بعض الهنات الأسلوبية ؟

بالنسبة للناقد المتمرس على اكتشاف مواطن القبح فلن يمرر ما هو جمالي على حساب ما هو أسلوبي و العكس...و لست لا هذا و لا ذاك و لكن أقول إذا كان سيزيف مرتبط بالصخرة فالقارئ سيدرك مسبقا أن السائل سيبحث عن مصير الصخرة و ما فعل بها...فهل تكرار الأسطورة يفترض احترام خصوصية الحكي في الأسطورة أم سيدع الخيال يبتكر و يبدع علاقات جديدة كان بالإمكان أن تحل محل "الصخرة" على سبيل المثال لا الحصر...

3- هل أعلن الحاضر إفلاسه حتى يتسابق المبدعون إلى نبش الماضي طلبا للأفكار ؟

الحاضر هو امتداد للماضي القريب و البعيد...و الأفكار التي يمكن تسمية بالأفكار الكبرى أو ذات القيمة الكبرى لا تتغير بل الذي يتغير هو طريقة التعامل معها أو طريقة تحليلها و تقديمها للقارئ...فجل الأفكار الجديدة هي في الأصل أفكار قديمة أخذت شكلا أو مظهر مغايرا لما كانت عليه في السابق مع العلم أن اللحاضر قد ضخ العديد من الأفكار التي أصبحت من الماضي القريب...

4- هل يُشترط تناسب الفكرة و القفلة من حيث القوة و الإدهاش ؟

الحقيقة لكي يكون العمل الأدبي ألفني أكثر جمالا و أكثر قبولا و أكثر اكتساحا للعقول و القلوب معا هو مدى تناسب العناصر المكونة للعمل الأدبي و في القصيصة فلا يمكن تقديم عنصر على آخر...

5- هل الصياغة الأدبية الإبداعية شرط لازم من شروط كتابة القصيصة ؟

كل إبداع رهين بشروطه الأدبية فإن اختل شرط من الشروط كان العمل الفني فيه شيء من حتى...و الصياغة إذا كان المقصود بها الأسلوب فهي هي التي تقدم العمل الفني كمعمل متكامل...لا يمكن إلا أن يخلق لدى القارئ المتعة و الاستفادة و كذلك الدهشة و التساؤل و التأويل و غيرذلك من العناصر الت تجعل من القصيصة نافذة تطل على فضاء شاسع من المعاني و الدلالات...

6- هل التكثيف من الشروط الضرورية لنجاح القصيصة ؟

إذا أجمع كل المختصين و المتعاملين مع هذا الفن من الكتابة أن التكثيف من شروط القصيصة و إلا أصبحت قصة قصيرة و ليست قصيصة فمن المنطقي جدا أن يقوم الكاتب بأخذ هذا العنصر بعين الاعتبار في تقديمه للعمل الفني...

7- إلى أي حد يمكن للحوار أن يصنع قصيصة رائعة ؟

أعتقد كلما كان الحوار مناسب لطبيعة الفكرة و القفلة كان من الأجمل أن لا يغفله الكاتب...فهو عنصر اساسي كلما كان أضاف جمالية و فنية للقصيصة...

و بخصوص العنوان مع احترامي لكل لغات العالم و لرأي الكاتب كنت أفضل أن يكون العنوان بلغة عربية...

لكم التحية و التقدير...

سعيد نويضي

/////////////////////////////

أستاذنا القدير/ سعيد أبو نعسة
إن فكرة النص جيدة .. لكن أود هنا أن أشير إلى شئ هام جدا وهو أن الومضة والقصيصة والقصة القصيرة جدا تختلف كما وكيفا عن القصة القصيرة.. وهي لاتأخذ الشكل التقليدي للقصة لكنها تحوي بعض عناصرها وليس كلها وعلى وجه الخصوص(التكثيف وليس الاختزال فالفارق بينهما كثير جدا فالتكثيف يشمل أكثر من معنى ولكن الاختزال يخل بالموضوع ومفهومه - عنصري الزمان والمكان وهما هامان جدا في القصة .ق .ج- استخدام التكنيك القصصي في السرد والحوار- قدرة الكاتب على الصياغة وتوظيف المفردات اللغوية- العنوان والخاتمة وتواؤمهما مع الموضوع الذي تم اختياره- بنية النص) وهذه أهم العناصر التي يمكننا التحدث عنها من وجهة نظري الشخصية..
تحياتي للجميع
مودتي واحترامي
د/ ثروت عكاشة السنوسي
عضو اتحاد كتاب مصــر
دتروث عكاشة السنوسي

//////////////////////////////

السلام على الجميع
كانت الأسطورة في القرن الماضي مستعملة من قبل الشعراء بالذات للهروب من واقع اجتماعي وسياسي ولتمرير رسائل معينة يحملها الخطاب الشعري آنذاك..
وقد استغرق بعضهم فيها ومر آخرون على الهامش ..فاستعملها السياب كما استعمل نزار قباني المرأة..على رأي الدكتور م.ح.الأعرجي..
فقد يمتد القاص إلى أقاصي الأسطورة بحثا عن لؤلؤة التيمة ،فهذا الامتداد أشبه بحلم توشّحه أغاني الوجود ينتشل الكاتب عزلته ووحدته ،بل وانتقامه من الحياة من خلال توظيف الأسطورة والاتكاء على بعض عرساتها..وقد أبدى بعض الدارسين رفضهم من اعتبار الدراسات الأدبية في تاريخ السابقين الفكري أشبه بالتاريخ في حد ذاته..والاستطراد في الفكرة يخرج الأدب من كونه أدب إنتاج فكري يعتمد المخيال إلى أدب جاف يعتمد الأحداث ووصفها والركون إليها ..ثم التعليق فقط..دون أن يكون له تأثير أو تحريك لسواكنها..
أما الأسطورة اليوم فقد أصبحت تستعمل للمتعة الفكرية فقط ولا نجد مصوغا لذالك ،وربما هي من باب الترفيه والإعلان عن التلاقح الثقافي بين الأمم..
وليس هناك ما يغفر وقوع هنات لغوية وأسلوبية في النص ،سواء كان قصيصة أو قصة أو رواية..وأحسب أن اللغة هي الميزة التي ترفع صاحبها أو تنقص من عمله..بل القدرة على التعبير الراقي واللغة الماتعة هي خاصية الكاتب الأولى ولا يستطيع أن يكون بدونها..
ففي هذا النص الذي يجب أن يكون مكثفا ولا نجد لفظة خارج السياق يمكننا أن نحذف منه مثلا(وتدحرجت إلى سفح الجبل) لأن الإعلان السابق أنه متواجد في القمة فتدحرجها لا يكون إلى الأعلى بالتأكيد ،كان يكفي ذكر كلمة سقطت..لتختصر العبارة كلها.
ولا أعتقد أن الحاضر بكل ما يحمله من متناقضات وهموم وأفكاروقيم جديدة وأخرى تصارع البقاء ،بعاجز على أن يستند إلى الماضي ليجد له ما يقول ،والأديب الحقيقي هو من عبّر عن هموم مجتمعه وحاجته االمِلحة فيعبور المتاهات والأزقة الضيقة للوصول به إلى الحالة الُمُرْضية..بعد الخروج من الَمَرَضية..
في القصيصة لا بدّ من أن تصدمنا القفلة وتبعث فينا الدهشة التي تولد الأسئلة كمتتالية هندسية لا تنفك إحداها في الإعلان عن نفسها بكل ما تحمله من ثقل وعنفوان حتى تخرج الأخرى الأقوى والأشدّ إلحاحا .وهكذا ....
وقد يكون ضعف التناسب بين الطرفين مما يحدث الدهشة أيضا لظن سابق في ذهن المتلقي حدث له اختراق غير متوقع من الكاتب ،كأن تكون قابلة للتبديل والتغيير دون أن يتأثر النص في عمومه بما يراه الكاتب ..(وهذا ما ذهب إليه إخي البرغوثي وأوافقه تماما في ذلك) 
أما الصياغة الأدبية فهي شرط أساس وبدونها لا نجد التناسب الذي يجب أن يكون بين الشكل من حيث هو ثوب قشيب ولباس عجيب لا يحسن نسجه ولا تفصيله حسب هيكل النص إلا من يملك أدواته ويملك المُكنة من التعامل بها ومعها..وبين المضمون الذي هو رسالة النص ،وتيمة القصيصة التي يريد من خلالها المُرسل إثارة المتلقي وتحريك الساكن .. 
التكثيف هو ما يمكن أن يجعل النص قابلا لأن يتمدد بشكل آخر ويأخذ له بعدا في المساحة لا أكثر، بحيث لا يخدم الفكرة إلا من حيث الشرح والتفسير والتأويل الذي يتيحه (مجبرا) للقاريء،وهو من الإملاءات التي لا تليق بين طرفي الخطاب..
فالكاتب الحاذق هو من يجعل اللفظة في مكانها ولا يستغني القاريء عنها ولا النص في إيصال ما يريده ،وهو من علامات التمكن والقدرة على وضع مفردات النص حيث يجب أن تكون..ولولا التكثيف لم تكن القصيصة قصيصة بل كانت قصة طويلة..(على الرغم من عدم خلو هذه من التكثيف في الكثير من مواضعها..)
أما الحوار فيرجع إلى الكاتب الذي يستعمله ، فقد يحسن التخلص من فكرة فيجعلها على لسان البطل..وقد يريد الإبطاء بالنص (الحدث) فيؤجل ذلك إلى الأخير..كما أننا نجد بعض القصيصات كتبت حوارا كله..ولم ينقص ذلك من قيمتها ،لكن الحوار ودقة الجمل التي يوظفها الكاتب هي التي تجعل منه ذا قيمة ،أو هو بدونها
.......................
للجميع التحية والتقدير..
باسين بلعباس

///////////////////////

في زمن يشعر فيه الكاتب بالغربة و بالغرابة يتخيل للحظة : ماذا لو بُعث أجدادنا اليوم ؟
كيف يتصرفون إزاء ما ننعم به من تقدّم على الصعد كافة ؟
و كيف يتعاملون مع معضلات البشرية التي عانوا مثلها في أزمنتهم ؟
مأساة العبث و اللاجدوى تطرح نفسها بقوة في هذا النص من خلال استحضار التراث و المعاصرة اللذين حفلا بها .
هل هذه القفزة التكنولوجية التي ننعم بها في مجال المواصلات و الاتصالات و المعلوماتية أسطورة معاصرة ؟ أم هي نوع من العقاب لأجل العقاب تماما كما كان عقاب سيزيف ؟
توظيف الأسطورة في نص معاصر إعلان صريح بأن مأساة الإنسان الوجودية مستمرة ماضيا و حاضرا و مستقبلا ؛ و لكن بأشكال مختلفة ؛ و التعبير عنها يكون مرة عن طريق الفن و أخرى عن طريق الأدب و مرارا عن طريق الفلسفة .
و هكذا يكون نبش الماضي مستساغا ؛ لا لننهل منه الأفكار بل لنقرر أن الإنسان في جوهره و معاناته واحد رغم توالي الأزمنة و اختلاف القشور التي يتخفى تحتها .
طغت الأفكار الفلسفية السالفة الذكر على ذهن الكاتب فأنسته العناية بالأسلوب حيث اعتمد الشرح و الإطناب رغبة منه في توضيح ما يتوقع أنه يلبس ثوب الغموض .
إن مجرد كشف سيزيف عن هويته يجعل القارئ يحدّق إلى الأسفل بحثا عن الصخرة ؛ لارتباط الصخرة بسيزيف حكما . فلم يكن هناك من داع للسؤال عن الصخرة ( و أين الصخرة ؟)
و لنفرض أن السؤال ضروري فهل كان جواب سيزيف مختصرا : لقد وقعت مني و تدحرجت إلى سفح الجبل ؟
ألا تسد عبارة ( لقد وقعت مني ) مسد الجملة التالية لها ( و تدحرجت إلى سفح الجبل ؟) الوقوع من علٍ يستدعي التدحرج ...
ألا تحل العارضة ( - ) في أول السطر محل قول الكاتب : سألته – ردّ عليّ قائلا – قلت له – قال – سألته ثانية – ردّ عليّ مستهزئا ؟
ما دام الكاتب قد رأى العرق يتصبّب من جبين سيزيف فالفعل الأنسب هو : شاهدته؛ و ليس رأيته لأن المشاهدة تقتضي الشهادة عن قرب و تفحص أدق التفاصيل ( العرق يتصبب من جبينه ) .
ثم يخطر بالبال سؤال حول مصداقية السرد من حيث ربط الحدث بزمكانيته :
هل قرر سيزيف اللجوء إلى الكمبيوتر فجأة و دون مقدمات هذه المرة فقط ولماذا ؟
النص يحتمل التكثيف الذي تفخر به القصيصة و تتغنى ؛ و الذي يسهم في إطلاق العبارة و الفكرة من إسار المحدودية إلى فضاء المعاني و الدلالات .
إن التناسب طردي بين الفكرة و القفلة من حيث القوة ؛ حتى لا يبرد النص و يتراخى و يُحبط القارئ .
فقارئ هذا النص ينتظر جوابا فلسفيا مدهشا من سيزيف ولكنه يفجع بجملة باردة : سأجلس أمام شاشة الكمبيوتر .
ما الرابط بين المشهدين ؟ مشهد المحادثة حول الصخرة و مشهد القفلة .
هل نترك أمر الربط للقارئ دون كلمة أو عبارة مسوغة ؟
تفخر القصيصة بأنها تصل إلى القارئ بطعم لذيذ مدهش طازج سواء أكتبت بأسلوب أدبي إبداعي أو بأسلوب إبلاغي مباشر تقريري طالما أن ألفاظها تقذف حمما دلالية هنا و هناك ؛ و ترسم مشاهد ظاهرة مكشوفة ، و أخرى باطنة أعظم كشفا و بيانا .
الحوار مقبول و مستساغ في القصيصة طالما أنه كجبل الجليد لا يظهر منه فوق السطح إلا القمة بينما قاعدته الهائلة مضمرة تحت سطح الماء.
ومهما يقل حول هذا النص فيكفيه إبداعا أنه استدعى هذا النقاش الطويل .
تحياتي


سعيد أبو نعسة