التخطي إلى المحتوى الرئيسي

قراءة عاشقة قصيرة جدا لديوان المرآة والبحر للشاعر عبد الله فراجي

يمكن اعتبار ديوان المرآة والبحر للشاعر عبد الله فراجي ينبوعا ذاتيا تتصبب منه أحداث وانفعالات ورموز وفضاءات عدة . إلا أننا سنقوم بقراءة عاشقة مختصرة لهذا الديوان . لأننا بصريح العبارة وجدنا بابا يسهل علينا الخوض في تجارب إبداعية برؤية تحليلية ذاتية أكثر منها نقدية ، هذا ما يدفعنا إلى قول أن هذه القراءة مطية يمكن أن نركبها لنغطي ضعف امتلاكنا لآليات وتقنيات وخصائص النقد الحقيقي الذي لا يدع لنا مجالا للتطفل.
أول ما يسترعي انتباهنا ونحن نقوم بتفحص هذا الديوان ، هو دلالة العنوان التي استطاعت أن تجمع بين انعكاس الصورة والأحداث ورحابة الفضاء . ولعل القارئ يعلم ما تحمله عند جل المبدعين من دلالات عميقة للحقيقة الصافية المعكوسة لكن هنا قد يختلف الأمر نسبيا . فهي تجسد الحقيقة العربية الجريحة العارية التي انتكست في طوق الغزو والحصار واللامبالاة من خلال أحداث وأمكنة ورموز تأكد ذلك :
وعشتار مسجاة في دمها
يهبون جدائلها للموت ....
أما فيما يخص دلالة البحر فهي تفيد الرحابة الشاسعة التي يبحث عنها الشاعر من خلال الفضاء الذي لا تدنسه الأهواء المختلفة . هذا من جهة أما من جهة أخرى ، فهو الحلم الموعود للثورة المصحوب بفجر جديد يرسل خيوطه الأولى على هذا الأخضر اللامتناهي :
فأنا من ثورة هذا البحر ...
لن اصمد وحدي في وجه الريح
إلى البيت الأخير في القصيدة
وضياء للفجر
إن الحديث عن ديوان المرآة والبحر يبدو صعب المنال للوقوف عن طبيعته لأنه يجمع بين الشكل الغامض والشكل الأكثر وضوحا ، والتي تعكسها ذات مثقفة تسعى إلى الجدوى وإدراك الأجوبة لأسئلة مبهمة تتوارد في نفسية تجمع بين التوتر والحلم . هذا ما تبينه اللغة المشحونة بضغوطات يحاول من خلالها الشاعر عبد الله فراجي أن يعبر عن نفسيته المهتزة ، والتي تأبى إلا أن تدرك صورة الكمال كالحلم بالوحدة العربية وهو يعلم أن ذلك مستحيلا مركزا عن النقيض الذي يخرج من جوف الشيء يقول الشاعر في هذا الصدد :
من الجحيم إلى الجحيم
تتعانق الأشجار فيما بينها
وهذا ليس غريبا على جيل تغنى بالنكبة ، وانكوى بنار القضية العربية التي تحمل بين طياتها قضايا محلية كالقضية الفلسطينية . وقد لا يتفق معي الكثير حول مصطلح المحلية ، ولكن ما نحاول أن نركز عليه هو اهتمام الشاعر بجميع القضايا العربية سواء بصورة مباشرة أو أخرى غير مباشرة يكتنزها الجوهر المرتبط أصلا بتعدد الأمكنة و الفضاءات . واعتقد أنني سأغفل العديد منها لكن هذا لا يمنع أن نقف عند أهمها :
1 – الفضاء الجغرافي : الذي تتعد فيه الأمكنة وتحركها الذات الشاعرة من خلال استحضار العديد منها ، وهي تضم في اغلبها الشرق المريض بملله ونحله :
من الجحيم إلى الجحيم
2- الفضاء الدلالي : وقد تخلقه لنا لغة ترتبط ببعد دلالي مجازي بشكل عام .
3- الفضاء المنظور : يحرك من خلاله الشاعر شخوصه بطريقة شبيهة بحركية واجهة الركح ( عشتار وجلجماش ....) .
إذن كل هذه المؤشرات تدعونا إلى الربط بين العناصر الداخلية وبين ذروة العلاقات المحيطة بها . هذا ما يجعل الشاعر عبد الله فراجي دائم السفر في شعاب نفسه باحثا عن حقيقة ضائعة مغبونة تقبع في نفس متأثرة تحاول أن تنقل إحساسها هذا إلى الأخر . وقد ييسر من ذلك اللغة التأملية البعيدة عن التعقيد والتكلف ، ولكن هذا لا يمنع انها تخاطب متلقيا مثقفا على بينة بالوقائع والأماكن والرموز والأحداث السياسية . هذا ما يجعلنا نأطر هذا الديوان ضمن مدرسة السهل الممتنع .
ما أوقفني كثيرا في هذا الديوان هي قصيدة حديقة الغبار التي يعكس فيها الشاعر المعاناة العامة مبرزا سيكولوجية الإنسان المقهور خاصة في المنطقة الشرقية التي تعد مسقط رأسه . فيرصد هذه الظواهر ( البطالة والتهريب والبغاء ...) بحس نفسي منهك حيث يقول :
حديقة سجينة يلفها الظلام ،
صفادها الحديد ،
وصوتها العنيد
شروخه المجلجلة ،
تموت في الصباح ،
حديقة كأنها الخراب .... !؟
والذباب والبشر .....
بطالة وأبرياء ،
شوارع مليئة حجر ،
روائح وعاصف من الذباب ،
كأنها القبور !؟
كنت أحاول أن استشهد ببيتين فقط لكن الصيغة الترابطية تلزمنا أن ندرج كل هذه الأبيات ، وهذا ما ركزنا عليه من خلال الوقوف عند العلاقة بين الذات والعناصر الخارجية بعدة أزمنة أهمها :
1- الزمن النفسي : لا يحدده الوقت وإنما يحدده الإحساس بطبيعة الحدث الذي يولد زمنا يسافر بنا في شعاب النفس ، وهو غير خاضع لضبط موقف ، فهو يعكس زمن المعاناة والأحلام كإحساس .
2- الزمن الافتراضي للصورة : تؤكد المعطيات أن الصورة مسلوبة للسينما و التلفزة ، لكن في ديوان المرآة والبحر تتداخل الصور لتعطينا زمنا افتراضيا ، فيشكل ألبوما من خلال رؤيتنا الافتراضية التي تتعدد بتعدد استحضار المتلقي لهذه الصور .
3- الزمن الكوني : الذي يتم فيه السفر إلى عدة وجهات كالبحر والقمر .... وقد ندركه حسيا ، فتأسرنا صورة غريبة الأطوار ننسج من خلالها بعدا رؤيويا غير محاصر .
وعموما يبقى ديوان المرآة والبحر للشاعر عبد الله فراجي تجربة إنسانية تنضاف إلى التراث الإنساني بتكاملها الدينامي بين المستويات الفاعلة نفسيا واجتماعيا ، وشطر أخر تلعب فيه الطاقة والحلم والحرية دورا فعالا في توجيهنا نحو العديد من القضايا والأحداث التي تثقل كاهل الإنسانية بصفة عامة والعربية بصفة خاصة .
وفي الأخير نريد أن نبين أن هذه القراءة ليست إنتاجا نقديا لأننا نعلم مليا أن النقد يعتمد على الإطار المنهجي المدروس الذي يحترم آليات وأدوات قد تغيب عنا لسبب واحد أننا لسن من ذوي الاختصاص . لكننا نركز على بعض الأبعاد والانفعالات التي نسعى إلى إدراكها مادامت هناك روابط وعادات مشتركة بيننا وبين شاعرنا عبد الله فراجي .
واعتذر لكل النقاد عن هذا التطفل، وأنا على يقين تام أن قراءتي هذه بسيطة جدا جدا .