حميد ركاطة
مجموعة أرضة رقمية للقاص المغربي محمد فري تمتح من الواقع رحيق مواضيعها من خلال رصدها العميق لمفارقاته واختلالا ته ، وجنون أفراده وتهورهم بل وضعفهم وانهزامهم المطاق ، نصوص بقدر ما أبرزت جوانب من المسكوت عنه والمغيب سياسيا واجتماعيا بخصوص فئات كشف عن ضرب من القسوة المتجرعة في صمت بالنسبة لفئات أخرى استطاع الكاتب من خلالها تعرية واقع البسطاء من الناس الذين يعيشون على الذكريات ومن خلالها تستمر حياتهم ونبضات قلبهم وهم يسترجعون أزهى اللحظات ، صورة المحارب المتقاعد ، والكاتب المتقوقع داخل أنانيته وعالمه الافتراضي الذي أضحى بالنسبة إليه كل شيء شخوص عبثية تتجرع المرارة في صمت كالحالم بالهجرة الذي تنبعث العنقاء من أحلامه وهي تشجب آلامه وتخرجها مليئة بالخيبات وغياب الأمل ناهيك عن الخداع الإنساني واستغلال التكنولوجيا ( وسائل الإعلام) لإيهام باستمرار الكرامات في زمن المسخ المطلق وتكريس استمرار الدجالين في نشر الفكر الغيبي كما هو الأمر في نص "في انتظار المطر"
لقد تم التركيز بشكل كبير على شخص الكاتب وهو أمر نجد له مبرراته في كونه الكثر تعرضا للانتقاد في المجتمع فرمزيته كمثقف ومبدع غالبا ما تشوبها العديد من الشوائب من خلال تصرفاته المفرطة في الأنانية والكذب والانعزال وسوء الانضباط والخروج عن القواعد المتعارف عليها والزيغ المفرط بل والتحليق خارج السرب بهدف البحث عن تحقيق كينونته وهويته . كما أثير النقاش بشكل جدي حول إشكال الكاتب الرقمي والورقي من خلال نصوص حاولت رصد مفارقات شخوص جعلوا من المصلحة الخاصة شعارا لهم ولمرحلتهم وهم ينهبون خيرات الوطن " الحاج القوالبي / المناضل اليساري ( المرتد) / صاحب اللحية واللسان الطويل / الحاج المسامري/ " بالإضافة إلى شخوص أخرى أرخ لها بمداد الإعجاب والتقدير " بادريس / صالح بن المعطي ، ناهيك عن طرح هم الكتابة وإشكالاتها وقيمتها وتمنعها تحلقيا نحو آفاق إبداعية خلاقة .
إننا إزاء مجموعة ذات نكهة وشخوص واحداث مستمدة من واقع مغربي محض ما جعل القصص تنهض بأدوار مختلفة مبجلة أحيانا ومنتقدة أحيانا أخرى ورغم هذا التناقض فإنها حاولت وضع اليد على مكامن الخلل الكبير الذي يشوب منظومات بأسرها . فماهي أهم الأفكار التي والمواضيع التي طرحتها المجموعة وبأية خلفية إبداعية كتبت ؟1 ـ صورة المبدع في أرضة رقميةشخصية الكاتب الرقمي / الورقي بقدر ما أثيرت بسخرية سوداء فتحت قوسا حول ما هيتها فالعينة المنتقاة للدراسة يعتبرها الكاتب " أشباه كتبة" وهم يفتحون المعارك الدامية بدون حق من خلال الطعن والرفض والمعارضة والتشهير ، سلوك يبرز فيه تضخم الأنا إلى حد الضعف واللهات وراء الأسماء الأنثوية ، ما يبرز كبتا دفينا وإنسياقا وجريا وراء الصورة المكونة للرغبة والشهوة على حساب الآدب والكتابة عموما ولعل التحول العاطفي للبطل الانشطاري وما يضمره من جهة أخرى من سلوك أناني غير معلن للجميع.
لقد رسم نص " أرضة رقمية " في نهايته الصورة القاتمة بل السريالية للكاتب بحثا عن عالم ممكن تتحقق فيه رغبة صاحبه من خلال تحوله ومسخه يقول السارد عنه " تقترب منه .. مبهمة غريبة .. تفتح ثقبا عميقا كالفم تبتلعه .. يصبح فيروسا .. أرضة ..يخفت الصون .. يختفي الكاتب " ص5
إن الصورة الشريرة التي رسمت للكاتب أبرزت إندفاع السارد ونزوحه نحو التخطيط للقضاء عليه سواء من خلال السخرية منه منذ البداية بتضخيم صورته ومنحها هالة وحجما أكبر من حجمه باعتماد مطاردة لصيقة لشخصه ما أفرز حقدا دفينا ومقتا كبيرا كذلك، وذلك من خلال مجموعة من القرائن التي ربما أبرزت ذاتية أو حوار مباشر يقول السارد " يحب أن يناديه الآخرون (كاتب) الويل لمن اعترض طريقه / الكاتب النحرير / يخلق من الحبة قبة / يثير جعجعة دون طحين ..يهمه أن يتضخم المأتم " ص 3 لكن لماذا كل هذا التحامل انطلاقا من أول نص ؟
عن هذا التركيب بقدر ما يفرغ الكاتب من كل حمولته الرمزية ووضعيته الأدبية تحوله إلى مرتبة دونية وتفقده قيمته الحقيقية التي سوف نلاحظ إلى درجة الإحساس بتناقض في الطرح من خلال وصف مواز يقول السارد " ومع ذلك هو كاتب ذو قلب كبير .. تلك سمة الأدباء الكبار الصادقين ..صادق / عطوف / حنون / يدافع .. عن المغبونين والمظلومين .." ص 3
إننا إزاء أوصاف متناقضة حول نفس الشخص وصادرة عن نفس السارد بهدف واحد هو خلق رجة لدى القارئ بالإشارة إلى انشطارية البطل، فالسارد لم يسجل سوى ملاحظاته وبالتالي ظل من خلال النص يراوغ لتوريط المتلقي من خلال خلق أجواء متوترة انطلاقا من علاقة افتراضية والتي من خلالها سيجهز على الكيان المتضخم وقد أبرز ضعفه وفضح كل أسراره الخاصة فالرجل العملاق تهزمه نملة صغيرة يعجز عن مواجهتها بسبب الحب الذي حوله إلى شاب متهور أكثر اندفاعا وتطفلا لا يقيم أي حساب لحركاته الصبيانية من خلال مطاردته لامرأة افتراضية " أصبح مدمنا على ترصدها في جميع المواقع يظل محملقا في الشاشة منتظرا إطلالتها ليرد عليها " ص 4
فهو كاتب دون هدف همه الوحيد أن يفرغ ما في جعبته دون اعتبار لقرائه كما هو الأمر في نص القاعة ص 17 حيث يفتح السارد قوسا لنقل مفارقة بليغة الدلالة وهو يترجم أحاسيسه الداخلية يقول " ما أجمل أن تكون القاعة في غاية ... الهدوء " ص ً18 هدوء سيصدمه عند الانتهاء من عرضه وقد طاف بعينيه هنا وهناك وكأنه يبحث عن شيء أو ينتظر شيئا ما .. وظل الصمت الجميل مهيمنا على كل الأرجاء .. ذلك أن الكراسي بالقاعة كانت فارغة .." ص 19
إن هذا الأمر يدفعنا إلى التساؤل عن السبل التي تمكن من خلق تعايش بين المبدعين ، لنتساءل ألم يحن الوقت لبلورة ميثاق ثقافي يحدد المهام والصفة وينظم المشهد الثقافي لترسيخ تقاليد من شأنها خلق انتعاش وانفتاح منشود ؟ وبالتالي يفك العزلة عن نوع آخر من الكتاب الذين ضاقت بهم الهوامش ؟
في نص الكاتب الورقي ص 32 بقدر ما يستفزنا العنوان يضعنا في مأزق ضمني ، حول ماهية الفرق بين الكاتب الرقمي ( الافتراضي) والورقي ؟ وهل بمقدور أحد أن ينزع الصفة عن أحدهما أو ينقص من قيمته كمبدع ؟
إن التصنيف وكما كان دوما لم يخلق سبلا للتعايش بين المبدعين .. وكأنه لم يحن الوقت بعد لذلك فالكاتب عموما يواجه بسخرية ونيل من مكانته وهو أمر تعرضت له صورة رجل التعليم من قبل وقد أجهزت على ما تبقى من كرامته كإنسان في نظر المجتمع، أمر خلق نوعا من الصراع الذي يبدي في ظاهره صراع الأجيال وفي باطنه أقسى درجات التهميش والقتل العمد ، فالصراع بين الرقمي والورقي لا يمكن تجاوزه دون خسائر فادحة ولكن لم لا نتحدث عن تكامل وبالتالي تعايش لخلق الاستمرارية ؟
فالعديد من النصوص كرست نوعا من الدونية للكاتب ( الرقمي والورقي) على السواء كما هو الأمر في نص الكاتب النحرير ص 85 بحيث قد يطرح الكاتب دوما أسئلته حول أسباب ودواعي هذا التحامل وقد نعثر على أجوبة وأسباب ذلك العداء الكبير ، لكننا ومع ذلك لو فتحنا أبواب مغارة سرية سندرك أنه في بلد لا تقدس الثقافة ولا تحترم المثقف يضحى الكتاب ضمن السلع القليلة الرواج بل غير ذات جدوى وأننا ومهما انتقدنا " أمة إقرأ فإنها لن تقرا ، ما دامت القراءة لاتهمها ولا تدخل في صلب مشاريعها ومشاغلها اليومية .
الكاتب النحرير صورة لواقع المثقف المخزني المنتمي لاتحادات السهول والهضاب والجبال والأنهار .. التي تعمل على التطبيل للفراغ والعدم في بلد ترتفع فيها نسب الأمية وتباد فيها العقول وتضحى شواهد الخريجين من المعاهد والجامعات غير ذات قيمة . وهو ما يطيل من أمد الآزمة وتفاقمها لتكرس البلد الثقافة الملغومة ثقافة رسمية لها .2 ـ الكتابة هم يومي وأرق مستديممن بين الأسئلة التي تطرحها المجموعة سؤال أرق الكثيرين: كيف يتحول الشيطان الشرير إلى ملاك خير ؟ فسهام الحب بقدر ما نستهزئ بغربتها في جسده تعمل على إحداث تغيير جذري فيها من خلال الحوار الصامت بين كيوبيد والشيطان وتبادل السهام يؤكد أن صراع الأقوياء هو صراع محدد أملته علينا ضرورة حياتية والصدفة كذلك لكن هل حقق كيوبيد هدفه؟
إن تحول الشيطان إلى ملاك بقدر ما أكده النص تكذبه الوقائع فالتحول بالقوة فيه نشاز وزيغ لا يقومه سوى تحول داخلي في العمق فالتحول الظاهري كما أورد سارد النص الذي يقول " وأحس بداخله أن ذخيرة الشر تتناقص فلم يجد لها أثرا .. التفت خلفه فشعر بجناحين أبيضين ينبتان بظهره " ص 21
إننا نتحدث هنا عن الصدفة التي تظل العملة المفقودة في كل معاملة فأحيانا تتحالف كل الظروف ضد المبدع في محاولته لتزوير الوقائع أو كتابة أشياء لا تمت للحقيقة أو الواقع بصلة ، فكلما غاب الصدق والحب والجمال ارتبكت الأقلام والأوراق وارتجت العواطف ونطت الكتابة من عشها الدافئ لتتناثر كغبار زوبعة متجهة نحو واد سحيق ، فنص قلم " ص 31 يبرز أن الكتابة الخالية من الصدق والتي يطغى عليها التصنع غالبا ما تحدث الذات الكاتبة ضدها علامات تحذيرية يقول السارد " توقف القلم بيدي وأحسست كأنه يسخر مني " ص 30 وهي جملة تكررت في أكثر من محاولة لاختراق الكاتب بياض الورق محملا بخيباته ولم تستقم أموره إلا عندما عاد للكتابة عن واقعه بصدق مستلهما شخوصا تمت بصلة وطيدة لأمكنة تفوح منها رائحة التربة الندية منه وإليه يقول السارد " وكادت تنحبس أنفاسي عندما لاحظت نشاطا يعم القلم وتستبد به خفة غير معهودة واكتشفت أنه لم يسخر مني هذه المرة " ص 31
هل هي فعلا مواجهة بين بياض يتحدى سواده ؟ أم بين كاتب وشخوصه وبنات أفكاره؟
ربما هذا الاعتراض المبدئي إعلان عن مواجهة غير متكافئة حيث سيادة العنف والتحدي والعنف المضاد بين الإصرار على الكتابة يقول السارد " قررت أن ان أكتب قصة " ص 49 والتمنع الكبير للوسيلة " استعصى القلم وأضرب عن إسعافي " ص 49 تحد سيجد له استجابة غير منتظرة مع الاستعانة بوسائل تدخل ضمن طقوس الشعوذة أو طرد النحس والعين " قذفت شبة وحرملا في المجمر فتصاعد دخان كثيف ملأ الحجرة وغطى أركانها " ص 49 وهو أمر منح الإحساس بإزاحة المانع " فخطر ببالي أن أكتب عن المشعوذ " ص 50
فالطقس بقدر ما منح الفكرة فتح سبلا غير موصلة نظرا لإحجام البطل والتماس " السلامة من أصحاب الحال والأولياء والصالحين" ص 50 وهو ما يدفعنا إلى التساؤل حول خلفيات الكتابة ذاتها وأساليب الكاتب المتبعة وطقوسه أمر يمكن إرجاعه إلى ظاهرة الاحتباس الثقافي والإبداعي وهي حالة نفسية يمر بها العديد من الفنانين و المبدعين.
لقد تجسدت نفسية المبدع من خلال هذا النص واستنجاده بكل الوسائل التقليدية ما يبرر هويته وانتماءه وهو يمارس عنفا آخر ضد وسائل الكتابة نفسها بعد ممارسته ضد طقوسها " ولويت عنق القلم وعصرت رأسه على الورقة منتصرا ..أتوعدها بفض بكارتها " ص 52 وقد لا حظنا تعسفا للقلم وكأنه وأد بعد تحقيق نشوة الكتابة التي لا يتوافق مع لحظتها سوى الانتشاء الجنسي لكن دون إشباع الشريك أم كما تفعل أنثى العقرب بذكرها وهي تقتلع جهازه التناسلي بالقوة إعلانا عن انتصار يقام بعد منازلة غير شريفة تحتل فيها الرغبة أوجهها لكنها تنتهي بالفشل وإعلان الانتصار بطعم الهزيمة
إن المثير في هذه المجموعة هو أنها لم تقدم من خلال كاتبها مواقفها ورؤيتها الخاصة حول الكتابة والإبداع عموما في مقدمتها بل نجده يضمن نصا خاصا بذلك في جزئها الأخير وضمن نصوص أخرى وهذا النص ربما يقدر ما يحمل تخوف أو عدم الإفصاح الصريح عن مجموعة من الأفكار ، فهل يمكن اعتبار هذا النص خلفية تنظيرية للقاص محمد فري تبرز مواقفه وأراءه وتأملاته ومواقفه إزاء القصة القصيرة ؟ أم هي عبارة عن رغبة لمناقشة مجموعة من القضايا " كموت المؤلف وتمرد السارد واستنفاذ القصة لحدودها وقدراتها وإمكانياتها وقد ضاقت بها الأفاق فنزحت للبحث عن تجريب ؟ ثم هل التجريب بهذا المعنى واختراق الحدود بين مختلف الأجناس السردية بقدر ما هو تحليق غير معتاد وليس بمقدور الكل ممارسته إلى درجة اعتباره من طرف السارد " فسوق التجريب" ص 77 ؟
إننا إزاء مواقف نابعة من هواجس كاتب تدل النصوص على خصوصيته الضاربة في عمق المعنى وكذا شخوصه الرمزية التي بقدر ما أعلنت حبها وانتماءها لهذا الوطن أحالت على تعميق هوة بينها وبينه ثم هل يمكن اعتبار الحديث عن كتابة ذات خصوصية معينة وتوجه خاص ضمن تيار ما أم أننا إزاء أزمة ممارسة نقد النقد على اعتبار أن الكاتب لم يأت إلى الساحة الأدبية من فراغ؟
إننا في الواقع إزاء طرح خاص تم تمريره من خلال سارد النص للبحث عن بدائل من خلال إعلان التذمر والفتور وإبداء مواقف صريحة فهل نحن إزاء انتقاد أو نقد ذاتي أم إزاء كتابة تبحث عن مرفأ جديد ؟
يقول الأستاذ جبران الشداني " ..نادرا ما نصادف كاتبا أخذ هاجس الكتابة هذا الحيز من اهتمامه ، خصوصا وأن الاهتمام هنا نقدي ، يتوجه بالسخرية لحال نفر من الكتاب الذين ركبوا عن طريق المصادفة جناح الكتابة لقضاء حوائج مادية أو رمزية دون أن تشغل قضية الكتابة في مبادئها وآلياتها الإبداعية اهتمامهم "(2)3 ـ الكتابة والواقع صورة البلد من خلال بعض شخوص المجموعةلعل الانتماء الطبقي والاجتماعي للعديد من الشخوص بهذه المجموعة قد منحنا نظرة بانورامية عن الواقع الذي تم إلتقاطه والهموم التي تم تناوله وأصحابها ورسائل الكاتب من خلال سارده وهو يقدم احتجاجا تارة أو تذمرا تارة أخرى أو الإعلان عما تختزنه الذاكرة من مواجع وآلام وأحلام .
في نص " الحلم الأزرق" ص 6 نجد أن ولوج بوابة الحلم كان بسبب تفكير البطل في نوعية المشاريع التي لم تتحقق واقعيا لكن تم استثمارها من خلال الحلم حتى النهاية ما جعل بنية الحلم أرحب من ضيق أفاق الواقع وهو ما سيحولها إلى وهم متبدد بسرعة ليعود البطل مهيض الجناح أمام أصحاب الديون محاولا التخلص من حرجه بالانغماس في عمله يقول السارد " تتراءى له وجوه تحملق فيه ..جاره الخضار .. وبقال الحي ..وصاحب البيت الذي يزوره في أول كل شهر ..انتصب واقفا وهو يترنح من الألم .. كل صدمة لا تقتلني تقويني ..فكر في ( استغلال الفكرة) موضوعا إنشائيا يحرره تلاميذه غدا " ص 9
في حين تطالعنا نماذج أخرى في نص من وحي الطابور ص 10 ونحن نرتشف مع البطل مرارة وجحيم الانتظار المرير الذي بقدر ما يولد الألم يمنح الإحساس بالموت البطيء ويطول أمده فالسارد يعرض وصفا لا إنسانيا في غياب ثقافة وحس مدني من قبيل التنظيم النزيه والالتزام بحقوق الآخر وهو ما يبرر غياب وعي اجتماعي فجحيم الانتظار أمام السفارات والقنصليات يمنح الإحساس وكأن كل طاقات البلاد تحاول الخروج والهرب من بلاد ضاربة في ويلات الفقر والكوارث جحيم لا يوازيه سوى الغرق في متابعة مقابلات كرة القدم المنقولة عبر "الساتل " ما جعل الفرجة تمتزج بالرغبة في الهرب والتحليق لكن الأمل دوما يخيب يقول السارد " هيأت نفسي للدفاع والتدافع ..والتحرك مع المتحركين فأصل إلى الباب الحديدي .. لكن الرجاء خاب والأمل غاب " ص12
في حين نجد أن نص " في انتظار أن تمطر" ص 13 يفتح نافذة للإطلالة على عالم مستلب غارق في أسئلة اليومي ممتن للقدر بتخلفه واضطهاده وه منساق كالقطيع تحت رحمة ذئب جائع فكثيرة هي الأسئلة التي تتناسل داخل هذا النص من بين العيش على الأمل والانتظار أو السقوط ضحية بين فكي كماشة لا ترحم وقد تم التلاعب باسم الدين لتكريس السيادة والمعرفة والربكة فالفقيه أتقن دوره المسرحي بشكل درامي حينا وهزلي حينا آخر وقد أوصل القوم إلى درجة الاستسلام والتسليم له بل الإيمان بقدراته المزيفة وبركته لكن في نهاية النص يكشف السارد عن وقع الخدعة على المتلقي قائلا " وانزوى الإمام ببيته مزهوا .. واتكأ قرب المذياع ..يلامس الأزرار ..ويتسقط الأحوال والأخبار" ص 16
لعل نزول الغيث بعد طول انتظار بقدر ما ابهج الناس سيطيل من أمد بقاء الفقيه المبارك في القرية الذي استطاع بدهائه إيهامهم ببركاته ودعواته . إن هذه النماذج تتكرر بكثرة في نصوص هذه المجموعة كالحاج القوالبي ص 25 والمسامري ، واللحية من خلال تقديم مفارقة مفادها أنه يمكن شراء دمم وأصوات الناخبين بأشياء بسيطة فاستفحال الأمية عامل في تكريس التبعية والولاء لكن أحيانا قد تنقلب الحلية على صاحبها كما أبرز النص في النهاية الأليمة للحاج المحتال الذي قوبل تآمره بتآمر حفي من طرف ممول الحفلات وهنا تبرز إلى الوجود مفهوم انحطاط القيم وتحول المجتمع إلى غابة . في حين أن نص السباق ص 61 سيكرس الانتصار للمحتال والغدر والخيانة على حساب التنافس الشريف وكيف أن الجماهير تخطئ موعدها مع التاريخ وقد باعت نفسها وأمالها .
إنها شخوص تكررت ملامحها في نصوص سابقة بل كانت محور قصص كثيرة ما يجعلنا أمام بقعة جغرافية يحكم السارد قبضته على شخوصها بل تقع ضمن مجاله الترابي الأثير وبذلك فالنصوص تعكس تطلعات فئات مسحوقة خانها القدر وأخطأت موعدها مع التاريخ فلا هي أنصفت ولا استطاعت أن تتكتل لتنصف بعضها البعض بل نلمس أنها انساقت وبسهولة وراء تجار الاستحقاقات أمر يطيل من أمد استفحال أزماتها وانتظاراتها التي تصبح بها فجوات سحيقة بين نقطتي الانطلاق والوصول من الاستحقاق الأول في انتظار الاستحقاق الموالي تدور في حلقة مفرغة خالية الوفاض وهو ما يجعل الحلم مستمرا وكأنه فوق بساط سحري ، في نص " حلم فوق بساط الريح " ص 81 بقدر ما يعلن عن تأبين الشواهد العليا يقر في ذات الآن بمدى فداحة وعدم فعالية الإجراءات المتبعة في مؤسساتنا الجامعية ومعاهدنا فالرهان على الشواهد من نتائجه خلق بطالة واسعة بتكوين هزيل وغير فعال ما يجعلها تنقلب ضد على المؤسسة من خلال تكتل المعطلين والمعتصمين أمام بوابة البرلمان وفي أكبر الشوارع بالعاصمة مطالبة بالحق في الشغل والحياة والكرامة ، هكذا يعرض سارد النص واقعا مأزوما كنتيجة لسياسات متعاقبة لحكومات فشلت في احتواء الأزمة وأدخلت البلاد منعطفا خطيرا .
لقد وجدنا شخوصا أخرى تم الحديث عنها بنوع من الحب الممزوج بالشفقة والإعجاب والتقدير " بادريس" ص 43 "وصالح بن المعطي فارس بلا جواد " ص 54 فالأول محارب نتقاعد يعيش في المدينة على مدخول دكان لبيع الخضر وذكرياته عن الحرب في الهند الصينية وهو رجل مقهور ومضطهد من طرف زوجته التي " لم يكن يملك .. إلا الإذعان( لها ).." ص 47 وكذلك لما كانت ذاته العليلة تخفيه من سقم يقول السارد " ولم يسلم علينا .. بل اكتفى بترتيب الصناديق في فتور .. ومنذ ذلك اليوم قل كلامه .. ولم يعد يهتم بحكاياته" ص 48 وهو صمت كانت له دلالته العميقة وقد ترك أسئلته المحيرة .
في حين نجد الشخصية الثانية " صاللح بن المعطي" كنموذج للقروي الذي تحول إلى عيشة الضنك بعد عز طويل ، سقوط ربما أم انتحار طبقي مفاجئ تضافرت من خلاله عدة عوامل لتوصل به إلى الباب المسدود فمن خلال استرجاع صالح بن المعطي لذكرياته نلمس كيف كانت البادية وأناسها يعيشون حالة من الرخاء الاقتصادي كما ترصد جانبا من اهتماماته " كالفروسية وتربية الخيل .. الذي شارك به في مناسبات وطنية ودينية وكيف أن الخيل كان يعطي لصاحبه مكانة داخل المجتمع لكن بسبب الجفاف وثقل ديون القروض سيتحول صالح لن المعطي من العز إلى إلى أسفل السلم الاجتماعي وهو يموت شامخا واقفا كشجرة .
إنها الصورة التي رسمت للبلاد من خلال شخوص هذه المجموعة تضعنا أمام واقع الانهزام والسخط والتذمر والفوضى .
عموما قدمت المجموعة العديد من الآراء والمواقف التي هي بحاجة إلى مزيد من فتح النقاش فيها بشكل جدي وقد راعت من خلال نصوصها أن تعبر عن آراء صاحبها بجرأة كبيرة وهي بقدر ما تنتقد الواقع الاجتماعي والثقافي والسياسي للبلاد تضع أمام أعيننا صلب خبلها وجنونها وهلوساتها ومرارتها لكنه في النهاية شخوص منهزمة بالقوة تحت طائلة إكراه حياتي مقيت أو بسبب سعي بعضها بطرق ملتوية نحو الارتقاء السريع دون التوفر على الأهلية أو الاستحقاق فتكون النتيجة إطالة أمد استنزاف ثروات البلاد الفكرية والعينية مع تكريس واقع التخلف والامتنان للقدر باستمراره في الوقت الذي نهدر فيه آلاف الطاقات المؤهلة بتجاهل حقوقها ومصيرها أمام مجلس النواب من خلال إبراز تناقض بين صارخ بين تجاهل السياسي للواقعي واستمرار مهازل التمثيليات الأكثر إثارة للشفقة في تاريخ الشعوب .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(1) محمد فري أرضة رقمية (قصص) - أنفو برانت، الطبعة الأولى 2010 فاس
(2) ذ جبران الشداني الصفحة الأخيرة من غلاف المجموعة
تعليقات
إرسال تعليق
شكرا لحضورك واهتمامك