قضية موت المؤلف


من القضايا التي تولدت عن النقد الحديث قضية موت المؤلف، التي دعا
إليها رولان بارت(1915-1980)، أحد أعلام الحركة الحداثية في القرن
الماضي، وقد قوبلت هذه الفكرة باستنكار شديد من أغلب الدوائر
الثقافية العربية، وفي الوقت الذي أصبحت فيه الفكرة مؤشر على
دخول عتبات جديدة في الفكر الغربي، أعتبرت على أنها مؤشر تحيز ضد
الثقافة العربية ممن يرغبون بإفادة الثقافة العربية من الثقافة
الغربية، ويعملون على تطويرها وتحديثها، وتأزم الوضع، خاصة مع
وجود من يرغبون في الظهور ولفت الأنظار من أشباه المثقفين وأشباه
العلماء، حتى خرجت أراء تري بأن متبع فكرة موت المؤلف يرتكب إثما
شرعيا، وتلك الأراء تستند إلى تعليقات غربية أشهرها أن هذه
الفكرة إمتداد لتراث الإلحاد النيتشوي ـ نسبة لنيتشه الغربي،
وأخرى ترى أن من لا يأخذ بهذه الفكرة من المثقفين العرب يعيش مع
أهل الكهف، وأنه منفصل عن الإنسانية الحديثة، وأنه يرغب في أن
يعيد الأمة العربية إلى عصر أصولي نأكل فيه بأيدينا بدلا من
الحضارة والمدنية الحديثة، ولشهرة هذه الفكرة في الدراسات النقدية،
ولما أثير حولها، أرغب أن أضع بين يدي القراء العرب ممن يرغبون في
متابعة هذه القضية حقيقتها بشكل واضح ومبسط، وأترك لكم الحكم
على هذه الفكرة ، هل تستحق الضجة التي أثيرت حولها، أم أن ثقافتنا
العربية تعاني من مشكلات أخرى تظهر تبعاتها مع خلافاتنا الثقافية
في غير موضع.
فكرة "موت المؤلف"، ورغم حدة الكلمة، فإنها تعني أنه من
الخطأ النظر إلي العمل الأدبي علي أنه غاية نهائية لمراد الكاتب،
فليس من الصواب عند تحليل العمل الأدبي النظر إلي شخصية الكاتب،
أو إلي تاريخه وذوقه وأهوائه وغير ذلك من الأمور المتعلقة به،
وذلك من منطلق التعددية المفتوحة في تأويل المعنى من ناحية،
ومن منطلق أن "البنيوية" لا تنظر إلي أي شيء خارجي عند تحليل
العمل الأدبي، فهي ترغب في تحليل عناصره بالنظر إلي العلاقات القائمة
بينها داخل "العمل الأدبي" نفسه، وليس بالنظر إلي أية أشياء
خارجية، سواء كانت تعود إلي المؤلف أو غيره( ).
راجع: رولان بارت: ((نقد وحقيقة))، ترجمة: د.منذر عياشي، مركز الإنماء الحضاري، الرباط، 1994م، صـ15-25
وجدير بالذكر أن من الأفكار الغربية نفسها ما يتضاد مع هذه
الفكرة، والتضاد في الأفكار عند الغرب غالبا ما يؤدي إلى إثراء
الفكر، بينما عندنا يؤدي إلى متاهات فكرية ـ وذلك لا يعني أني
أنحاز إلى الثقافة الغربية، وإنما أنا أقرر واقع تعيشه الأمة
العربية، وأنا من أشد الناس اعتزازا بميراثه الثقافي والحضاري ،
ولكني أري أن دورنا لم ينته في الثقافة العالمية باجترار مفاخر
الأجداد وإنما علينا أن نقدم للحضارة الإنسانية الجديد والمفيد ـ ،
ومن الأفكار التي تتضاد مع هذه الفكرة "البنيوية التكوينية"
أو التوليدية على اختلاف ما يزال قائم في ترجمة لفظة Genetic
الفرنسية الأصل، وأنا ذاتيا أستخدم لفظة "التكوينية" ، على أية
حال البنيوية التكوينية ترى أنه من المفيد تحليل العناصر اللغوية
الداخلية للعمل الأدبي، وأيضا من المفيد كذلك الوقوف على العوامل
التي أدت إلى تكون هذه العمل الأدبي، السياقات الاجتماعية
والثقافية والسياسية التي أدت إلى خروج العمل الأدبي بهذه
الصورة، وإن كانت لا تعلى من قيمة المؤلف في ذاته أيضا،
وإنما تختزله في كونه ممثل لطبقة اجتماعية معينة، ولكنها لا تنغلق
على النسق كل هذا الانغلاق، ومن الطريف أن البعض ينسب فكرة موت
المؤلف للاتجاهات التفكيكية، نظرا لتحول بارت في أواخر أيامه عن
البنيوية إلى التفكيكية، ولكني أثبت في دراسة لي أن التفكيكية
ليس من أفكارها موت المؤلف، لكونها لا تعطى أهمية أصلا للعمل الأدبي
في ذاته، بقدر ما تعطي أولوية لعملية انفتاح التأويل، أي
التأويل المتعدد والمنفتح للعمل الأدبي الواحد، كما أنها تعطي أهمية
لأنماط الخلخلة التي تقوض منطقية أي عمل ، ومن ثم ليس من ضمن
حساباتها المؤلف أو حتى العمل نفسه، بقدر ما تبحث عما في العمل
الأدبي من تناقضات داخلية تقوض عملية الدلالة وتعيق ما به من
تدليل.
وبعد هذا العرض، ما رايك أيها القارئ الكريم في هذه القضية؟
مع خالص تحياتي وشكري،
وائل سيد عبد الرحيم النجمي

تعليقات