حوار مع الناقد العراقي جاسم خلف إلياس الكاتب: حاوره : عبدالله المتقي

القصة القصيرة جدا دخلت فضاء المغامرة القصصي

جاسم خلف إلياس شاعر وناقد عراقي ، عضو اتحاد الصحافيين العراقيين ، صدر له من الدواوين الشعرية " نوافذ تحتشد بالمسافات "،كما صدر له في النقد "ضوء يجترح الأفق" قراءت في القصة القصيرة الموصلية ، وعلى هامش إصداره ل"شعرية القصة القصيرة جدا " كان لنا معه هذا الحوار :


* من هو جاسم خلف الياس ناقدا؟

هو قارئ للنصوص الإبداعية والنقدية قبل أن يكون ناقدا ، أبعدته ظروف الحروب والحصار عن التواصل القرائي قليلا ، ثم عاد إليه ثانية ، فكتب في بداية الألفية الثالثة أول مقاربة نقدية نشرت في صحيفة (القادسية) العراقية . بعدها كتب مقاربات أخر كانت تطمح لأن تتواصل في ملامحها الأولى مع الكتابات النقدية المتفردة . وبعد صدور كتاب ( ضوء يجترح الأفق) عام 2001 وهو مجموعة مقاربات تناول فيها بعض الإصدارات القصصية الحديثة ، اتجه نحو الدراسة الأكاديمية فكان كتاب ( شعرية القصة لقصيرة جدا) عام 2010 أول نتاج نقدي أعلن شهادة ميلاده في منطلقاته واتجاهاته وأدواته ...الخ . مما شجعه على السيرورة في خطوات واعية ستبقى نهاياتها مفتوحة على جديد آت إن شاء الله ، إذ إن كتابه الثالث ( جماليات التجريب في قصص محمود جنداري القصيرة ) . لا يقل ضرورة عن كتابه الثاني في توجيه مساره النقدي . وبناء على كل ما تقدم أقول : ما زال جاسم على شاطئ النقد يحبو .



* من يقرأ كتابك ( شعرية القصة القصيرة جدا ) يدرك انك أنصفت هذا اللون السردي الحديث ، وقد كان إنصافا مقرونا بالحب فما الحكاية؟

بعد قراءة المجموعة القصصية (العيون ) للقاص خالد حبيب الراوي ، ومجموعة ناتالي ساروت ( انفعالات) التي ترجمها فتحي العشري ، تولدت في داخلي تساؤلات عديدة في محاولة الخروج عن النص القصصي التقليدي . وبعد متابعة لهذا النوع القصصي ازداد حبي له وشغفي به ، وراودتني فكرة الكتابة عنه ، وحين طلب مني موضوعا لرسالة الماجستير اقترحت على قسم اللغة العربية في كلية التربية / جامعة الموصل عنوان (شعرية القصة القصيرة جدا ) وتمت الموافقة عليه ، بعدها استدعيت إلى ملتقى القصة القصيرة جدا الثالث الذي أقيم في حلب عام 2005 . وبعد حصولي على مجاميع قصصية كثيرة توطدت العلاقة بيني وبين هذا النوع وتمت دراستها أكاديميا . ولا أنكر أن للدكتور احمد جاسم الحسين وعبدالله المتقي أثرا كبيرا في هذا الكتاب لما قدما لي من دراسات ومجاميع أفادتني كثيرا .



* وأنت تدرس المدونات القصصية اشتغلت بالشعرية عبرها استنطقت قصصا قصيرة جدا ، الم تحس باغتراب هذه الشعرية داخل المتن القصصي ؟

إن مصطلح (الشعرية) الذي ورد في كتابي (شعرية القصة القصيرة جدا) هو موجه تنظيري وإجرائي لي بوصفي باحثا ، وموجه قرائي للقارئ فيما بعد . والمقصود بالشعرية هنا قوانين الخطاب الأدبي حسب تودوروف أو كيف نجعل من نص ما نصا أدبيا حسب ياكبسون ، وعلى هذا الأساس تمت دراستها بعيدا عن مصطلح (الشاعرية) الذي هو اقرب إلى الشعر حسب الغذامي . فهي تعني هنا تقصي الوعي اللغوي بفاعلية قرائية تكشف ( الكيف ) وتعين جمالياته وتحلل الـ(ماذا) لاستنباط القوانين الداخلية التي تتحكم في جمالية النص كليا مع تحفظي على كلمة (قوانين) فالأدب لا يتحدد بقانون مطلقا ، وإنما كان الغرض من ذلك وضع الافتراضات والبرهنة عليها في دراسة أكاديمية تعتمد الصرامة في الوصول إلى النتائج .

* من الكلمات المبتدعة التي أثارت جدلا بدأ ولم ينته هي كلمة جدا ، ما تعليقك ؟

لا ضير أن يثير أي مصطلح أو عنوان تجنيسي لنوع أدبي جديد جدلا واسعا ، فهذا دليل على ضرورة وجوده واشتغاله في مسار مختلف ومغاير ، وعلى الرغم من كل التسميات التي قيلت بحق هذا النوع الجديد فان كلمة (جدا) كانت هي الأصح والأقرب إلى الاشتراطات الفنية التي جعلت منه نوعا متفردا ، واتفق مع الدكتور احمد جاسم الحسين في هذا الاختيار في توصيفه للقصة القصيرة جدا : هي قصة قصيرة لكنها قصيرة جدا وقد ذكرت هذا القول في كتابي وربما لاحظت ذلك أخي عبدالله .



* أثارت التجربة القصصية حولها ردود أفعال متباينة بعضهم تحمس لها وثان تنكر لها كيف تنظرون لهذا الاختلاف وبم تفسره؟

هنالك مسوغان رئيسان لهذا الاختلاف هما القراءة التي تعتمد الذاكرة القرائية التقليدية وعدائها لكل جديد ، وجمودها أمام كل مغامرة نصية جديدة . وقراءة جمالية مغامرة تعتمد البحث عن آليات التجريب والمغادرة في كشف النصوص المتجاوزة للنمطي والتقليدي ،وليس القصة القصيرة جدا وحدها التي عانت من الاختلاف حولها ، فقد عانت كل الأنواع الحداثية من هذا التنافر القرائي في استقبال النص الجديد .



* يدرج فيليب ستيفن ((كتابة السرد القصير جدا ضمن الأشكال الأكثر مجازفة )) كيف تقرأ هذا الرأي ؟

بالتأكيد إن القصة القصيرة جدا دخلت فضاء المغامرة القصصي كما قلنا لتعلن مجازفتها ومغادرتها ، فهي نوع متمرد ومشاكس في خصائصه ومكوناته الجمالية ، ومتمرد على المنظومة القرائية التقليدية أيضا ، والقارئ الحاذق يدرك ضرورة مجازفة هذا النوع القصصي في عصر باتت السرعة فيه تلتهم كل شيء، وتقوض المسافات التي تعرقل الوصول إلى المراد بأقصر الأساليب والأدوات .



* هل يمكن كتابة قصة قصيرة في جملة واحدة؟

لست مع هذا الرأي ، فعلى الرغم من امتلاك بعض الجمل اشتراطات الأدنى للقصة القصيرة جدا ، إلا إنني أعد هذا سطرا شعريا ، وإلا عثرنا على ملايين القصص القصيرة جدا في الشعر ولا سيما في قصيدة النثر ، فهي حسب ظني المتواضع لا تكتمل إلا بفضاء قصصي يفرض وجوده لا يفرضه الكاتب ، وهذا يتطلب مرونة في انسيابيتها المشر وطة بالتكثيف والاختزال ، فجملة ( في الليل أراقص الذكريات ) على سبيل المثال لا الحصر للروائية حميدة خريس التي أعدتها قصة قصيرة جدا ، أراها قريبة إلى السطر الشعري أكثر من قربها من القصة القصيرة جدا.



* ما الذي تقترفه جاسم ، اعني الجنس الأدبي الذي تشتغل عليه هذه الأيام ؟

ما زلت متواصلا مع كتاباتي النقدية أولا ، وكتابة قصيدة النثر التي لا يقل حبها عندي عن القصة القصيرة جدا ثانيا ،ويؤسفني أنني لم استطع لحد الآن كتابة نص قصصي قصير جدا . وربما يعود ذلك لصعوبة كتابتها .



* ماذا يخبئ هذا المستقبل للقصة القصيرة جدا ؟

سيقودها في زحمة الضجيج إلى رصيده المعرفي ، ويجر خلفها خطاه .

حاوره : عبدالله المتقي

تعليقات