تداخل السياسي و القصصي في كتابات محمد سعيد الريحاني


إن كثيرا من نصوص محمد سعيد الريحاني القصصية تطرح على القارئ مسألة تحديد الهوية ،لأنها مرة تنكمش لتصبح قصة قصيرة جدا، ومرة تمد رجليها لتصبح قصة قصيرة، وفي الحالتين يتسع المعنى بتعدد القراءات ومقصدية الملقي و المتلقي.



كما أننا على مستوى التجنيس نصطدم في كتاباته بتداخل أجناس متعددة منها الأسطوري و السياسي و العجائبي، وكل هذه الأجناس تختلط وتمتزج بالسرد القصصي،حيث إن القارئ يلاحظ أن هذه الأعمال تغرف من كل هذه الأجناس لتخرج في النهاية أعمال مغسولة بماء القصة،وكأنه يجرب نوعا معينا من الكتابة القصصية ليخوض تجربة جديدة تخص محمد سعيد الريحاني وتنهل من معينه و مرجعيته المعرفية في مجال الكتابة القصصية بأسلوب و تقليعة جديدة.


بل نجده أحيانا يخرج بالقصة القصيرة إلى أبواب أخرى أكثر شساعة تدخل في باب الخبر و المقالة و البلاغ الوزاري،بنوع من السخرية و الاستهزاء معلنا بذلك موت المؤلف ليفسح المجال واسعا لاستمرارية حياة المتلقي.
"خبر صحفي: توفي أمس في ساعة متأخرة من الليل المبدع الكبير المعروف الضائع في بيته المرهون لدى البنك" موت المؤلف ص 15
فالتداخل النوعي الحاصل في كتابات محمد سعيد الريحاني يحيلنا إلى طبيعة القصة،حيث إنها عبارة عن وحدة سردية غريبة تتحرك دوما في اتجاهين،اتجاه سانكروني وآخر دياكروني،وفي حركيتها الساكرونية تبحث عن القالب الذي يلائم ويسكن الدياكروني،وهي بذلك تتصف بصفة الانفلات و الزئبقية،كما أنها لا يمكن إخضاعها لقالب معين وتحديد مقاسها ووضعها على سرير بوكست.
فالقصة كما هو معروف تستخدم للتعبير عن كل أنواع الكتابات القصصية، حيث نجدها في القصة القصيرة و في الرواية وفي الخرافة،فهي كامنة في كل أشكال التعبير الابداعي،بل هي البوابة التي تدخل منها كل هذه الأجناس الأدبية وبالتالي فإنها تأخذ طابعها وشكلها.
كما أنها لا تؤمن بتفاوت وتباعد الأزمنة،ويظهر هذا التمازج وهذا التفاوت في"حوار جيلين" عندما خصص لكل جيل بابا خاصا به"باب إدريس الصغير"وباب"محمد سعيد الريحاني"،غير أن باب هذا الأخير يبدو و كأنه أكثر قتامة وسوادا من باب إدريس الصغير الذي يميل إلى الانفراج وفتح كوة صغيرة في النفق .
ويظهر  هذا الانفراج من خلال عناوين القصص في باب ادريس الصغير وفي مضامينها الدالة على رحابة الأفق "رجل...ورقة...أحلام" " طريق الأحلام" "حقول الأقحوان أو شقائق النعمان".
عكس ما نراه في كتابات محمد سعيد الريحاني التي تعبر عن انسداد الأفق وقتامة العصر الذي يعيش فيه "الضياع" "الاسم عاطل والمهنة بدون". 
وفي الحواريين جيلين يتمطط الواقع وتتعدد المواقف حيث يضيق هامش الحرية عند القاص ادريس الصغير، ويعلو سقفها في أعمال محمد سعيد الريحاني ،الشيء الذي دفع الأول الى تجريب أسلوب السرد التقليدي القائم على الحدث والشخصيات والعقدة والحل: "سأذكر ما حييت ذلك الطريق الواصل بين البيت وبناية السجن المركزي في طريق أحفظه الآن خطوة خطوة ،وأتذكر بدقة تغير معالمه قطعة قطعة " حوار جيلين الصفحة 19 .
اما الثاني فنجده يكسر هذه البنية التقليدية لتجريب السياسي في القصص: "هو قدري أن أكون عاطلا وأمضي حياتي على كراسي هذه المقهى في انتظار من يقاسمونني نفس المصير... منذ ميلادي تحدد مصيري ،فقد سماني أبي عاطفا لكن موظف الحالة المدنية استبدل فائي لاما وسماني رسميا عاطلا " حوار جيلين الصفحة 63.


وما يجمع الجيلين هو التعامل مع النص القصصي على أساس انه علامة مفردة يتضمن علامات نوعية فالعلامة المفردة تعني الموضوع العام الذي تدور حوله القصة،والعلامات النوعية هي المحاور الجزئية التي تؤثث فضاء القصة، وتساعد على وضوح الصورة وإعطاء المعنى ما يستحقه من دلالات عميقة .
كما أن للخط أثره في مساعدة العلامة المفردة على النهوض داخل فضاء المجموعة القصصية، فنجد تداخلا واضحا بين خطين الخط الاندلسي الذي اعتمده الأديبان في عتبة الغلاف وعتبة عناوين القصص المشكلة للمجموعة القصصية ، غير أننا نلاحظ هيمنة الخط الرقمي على الخط الاندلسي نظرا لهيمنة جديد محمد سعيد الريحاني على قديم إدريس الصغير.
كما أننا نلاحظ بأن القاص ادريس الصغير كان يدخل مباشرة في السرد القصصي دون اعتماد على العكازات الغيرية، عكس محمد سعيد الريحاني الذي كان يستهل قصصه بدعامات ونصوص لأدباء ومفكرين كبار "جبران خليل جبران ""ميكيا فيلي" "نيتشه".  كما أنهما الاثنان اشتغلا على بلاغة البياض حيث نجدهما يتركان الفراغات والبياضات داخل النص ليفسحا المجال للقارئ، لكي يملأ هذه الفراغات، بالاظافة الى ذلك فإن محمد سعيد الريحاني كان يمهد القارئ بمقبلات هامة لأدباء ومفكرين عظماء وهي موجهة للمتلقي لكي يستغرق زمنا طويلا من التأمل والتفكير ليدخل الى النص الحقيقي. ونلاحظ كذلك بأن هذه النصوص القصصية عند الكاتبين تنقسم الى قسمين أو مستويين: مستوى نصي ومستوى بصري، فالمستوى النصي هو الحمولة الفكرية والدلالية التي تحملها النصوص القصصية، والمستوى البصري هو التماوج بين النصين،نص الاستشهاد على يسار الورقة والنص القصصي على يمينها للدلالة على الاختلاف بين الجيلين على المستوى البصري والاتفاق على المستوى النصي.
وفي النهاية نقول بأن الأديب محمد سعيد الريحاني عندما ينقل الواقع فإنه لا يحاكي هذا الواقع بل ينقله أدبا بأن يفرض عليه ذاته وأسلوبه فيجري عليه بعض التحويرات، كما أنه لا يحاكي الأنماط الفكرية إلا بمعنى أنه يعطي لهذه الأفكار شكلا أدبيا.

تعليقات