ماذا تشكل اليوم اتحادات الكتاب في الوطن العربي من زخم ثقافي وثوري يمكن أن يندرج في التحولات الحاصلة في هذه البلدان ويعمقها؟ هل لاتحادات الكتاب دور في عملية التغيير ما دامت مشكلّة من نخب ثقافية الكثير منها عرف بدره الثقافي المميز والريادي أحيانا؟ في هذه الحالة كيف نبرر الانهيارات المتلاحقة التي مست هذه الاتحادات في الصميم، وفجرتها في السنوات العشر الأخيرة كاشفة عن ضعفها البنيوي والتنظيمي. قبل أن تجهز الثورات العربية على الكثير منها وتحولها إلى لاشيء لأنها في أغلبيتها ظلت متواطئة مع النظم أو على حوافها. إذ ظل فعلها الثقافي هو تبرير ما لا يبرر. الثورات العربية غيرت الكثير من اليقينيات وهزتها بقوة، بالخصوص الفعل الثقافي بمختلف مؤسساته. إذ من المفروض أن تكون الثقافة في تعريفها النبيل هي ما يصنع الوعي النظري الذي يشكل سندا حقيقيا للثورات ويمنعها من السقوط السريع في السهولة والأوهام، ويثبت مطالبها ويعطيها بعدها التاريخي ويدخلها في الذاكرة الجمعية والوطنية والإنسانية. من هذا المنطلق، تشكل اتحادات الكتاب العربية لحظة مهمة في تاريخ الثقافة العربية لأنه مدارها مهما كانت آراؤنا فيها. طبعا الاتحادات لا تتبدى عربيا بنفس المظاهر وإن جمعتها بصيرورة الحكم في الوطن العربي الذي غيب الفعل الديمقراطي وسخره للحزب بوصفه حاملا لأيديولوجية النظام. إلى وقت قريب كانت هذه الاتحادات مرجعية وصانعة للحدث الثقافي. ولكنها كلها في السنوات الأخيرة لم تفقد فقط بريقها ولكنها اهتزت في الصميم، وبدأت تأفل شيئا فشيئا لأنها بدل أن تعيد النظر في بنيتها التي ولدت كل الخرابات اللاحقة، تحولت إلى هيئات تبعية للجهاز القائم بمعناه الضيق أو الأوسع. ولهذا نشأت بجانبها في كل اللحظات التاريخية معارضة وحركات احتجاجية كانت ترفض هذه المسارات لكن قوتها ظلت دوما غير محسوبة وقليلا ما رأينا اتحاد كتاب عربي انتفض ضد ما هو قائم نظرا لعطالته العميقة. المشكلة الجوهرية لهذه الاتحادات هي أنها فقدت حريتها الأساسية عندما اختارت أن تسير في ركب السلطة السياسية أو الحزبية كيفما كانت نية الحزب وتاريخه. لأنها هيكليا لا تستطيع إلا أن تكون كذلك مهما حاولت. فهي إذا نجت من تبعية السلطة لا تنجو من تبعية الأيديولوجية أبدا. ولنا في المغرب العربي تجربة تستحق أن نتوقف عندها إذ لعبت الانتفاضات داخل الاتحادات المغاربية دورا حاسما ولكن الهيكلية كانت لها دائما الكلمة الأخيرة. أغلبها اتحادات نشأت من حركة نضالية وتاريخية بالخصوص بالنسبة للمغرب وتونس والجزائر. في المغرب جاء اتحاد الكتاب ليلملم أشلاء تجربة سبعينية قاسية كان من نتائجها سجن الكثير من الأدباء والمفكرين. في الجزائر نجد الحالة نفسها. مؤسسو الاتحاد من كبار كتاب الجزائر من أمثال مالك حداد، مولود معمري، مفدي زكرياء جون سيناك وغيرهم سرعان ما غادروا الاتحاد بعد أن أظهرت السلطة عداوتها في العلن للكتاب الكثير منهم من أكلته المنافي أو العزلة التامة وبعضهم قتل في ظروف غامضة مثل جون سيناك في بداية السبعينيات. لكن الثورات بدأت من صلب هذه الاتحادات في وقت مبكر عندما ظهر أنها مجرد قوقعات فارغة. في التسعينيات مثلا انفصل اتحاد الكتاب الجزائريين بعد مؤتمر زرالدة، عن رقابة حزب جبهة التحربر التي كبلته بالمادة 120 التي أغلقت أبواب القيادة في وجه كل من لم يكن حزبيا ليتحول في ظرف وجيز إلى خلية سياسية تابعة للحزب الأم جبهة التحرير. ثورة 88 المغدورة التي جاءت بحرية الصحافة وصنعت بالمقابل سرير الإسلاميين الذين سيدمون الجزائر على مدار عشر سنوات، كان لها الدور الحاسم في خروج اتحاد الكتاب الجزائريين من وصاية الحزب الواحد. لكن ثمن هذه الحرية كان غاليا، فقد تم التضييق المالي عليه، قبل أن تجهز عليه الاغتيالات التي دفعت بأغلب أعضائه الفاعلين ممن بقي حيا بعد اغتيال الهادي فليسي والطاهر جاووت، يوسف سبتي، إما إلى المنفى أو الاغتيال، أو الدخول في حياة سرية استمرت زمنا طويلا سمحت لسدنة البيت أن ينشئوا اتحادا آخر يعود إلى بيت الطاعة، لكن هذه المرة ليس إلى حزب جهة التحرير لأن الجبهة كانت وقتها في حالة تحلل وتفكك، ولكن لابنها الضال التجمع الوطني الديمقراطي ويصبح الاتحاد من جديد مرتبطا بآلية الحزب المهيمن. اتحاد كتاب المغرب لم يخرج عن هذه التأزمات. لأسباب تاريخية يمكن تفهمها في زمانها، فقد كان على الطرف اليسار من السلطة. إذ هيمن عليه تيار واحد هو الاتحاد الاشتراكي، مع تمثيلات رمزية لألوان الطيف السياسي المغربي. أدى ذلك مع الزمن إلى نشوء ردة فعل انتهت بالكثير من الكتاب إلى الانفصال وإنشاء رابطة وضعت الاستقلال الثقافي كرهان من رهاناتها. قبل أن تتعقد الصراعات وتتأزم أكثر وتخرج إلى العلن كل التناقضات البنيوية والهيكلية التي لغمت الاتحاد من داخله. أدى ذلك إلى صراع داخلي وعطالة كبيرة في الاتحاد انتهت إلى إقالة رئيسه يوم السبت 24 -10-2009 مما أدى إلى تحجيم دور الاتحاد وإضعاف موقعه في المشهد الثقافي بتشتيت الكتاب ودفعهم إما إلى الانسحاب والصمت، وإما إلى الدخول في حرب البيانات والبيانات المضادة، في ظل مناخ مأزوم لا ينفصل عن التحولات العربية. قبل أن يتم إقحام مؤسسة أكثر تأزما وهي الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب في بعض التفصيلات التنظيمية الداخلية لاتحاد كتاب المغرب. اتحاد كتاب تونس باستثناء فترة الـتأسيس، ظل يدور في دواليب السلطة وكثيرا ما اشترك في اضطهاد المثقفين ولم يخرج من هذه الدائرة إلا قبل الثورة بقليل بعد يأس كبير من إصلاحه. فانعقد يوم الأحد 4 جويلية 2010 المؤتمر التأسيسي الأول لنقابة كتاب تونس بإشراف من الاتحاد الجهوي للشغل والنقابة العامة للثقافة والإعلام، أسفرت نتائج الانتخابات عن فوز تشكيلة نقابية من الكتاب راهنت على الدفاع عن المثقف على الرغم من محاولات عديدة من أطراف في الاتحاد الرسمي أو أطراف أخرى قريبة من السلطة لتعطيل المؤتمر. اتحاد الكتاب الليبيين بدأت تغيراته قبل زمن طويل ولكنه ظل مثبتا في حدود إرادة القائد. لم يحدث مطلقا في تاريخ اتحادات الكتاب العربية، ما حدث في رابطة الكتاب و الأدباء الليبيين من استيلاء غير شرعي من قبل أمانة مؤتمر الشعب العام وتشميعها بالشمع الأحمر وتغيير في لائحتها الداخلية فيما يخص شروط العضوية بحيث تمت إضافة شروط أخري لا علاقة لها بطبيعة النشاط الذي يفترض أن يمارسه أعضاء هذه الرابطة. تم ذلك بصدور القرار رقم 59 من أمانة مؤتمر الشعب العام بتاريخ 14/6/2004 والتعميم المرفق به. لقد نص ذلك التعميم على أن الكاتب أو الأديب الذي يريد عضوية هذه الرابطة ملزم بتقديم شهادة براءة من أية جنحة أو جناية ذات طابع سياسي، و ملزم كذلك بتوقيع تعهد بالالتزام بفكر النظرية العالمية الثالثة. وعلى هذا الأساس اعتبر كافة الكتاب والأدباء الذين دخلوا السجن بسبب آرائهم، مبعدين عن عضوية هذه الرابطة التي يفترض أن تكون تنظيما نقابيا يدافع عن حقوق الكتاب والأدباء على اختلاف توجهاتهم. فنحن إذن أمام اتحادات بدأت الثورات الصامتة في داخلها تتنامى حتى فجرتها ولكنها لم تتغير إلا قليلا لأن الجوهر لم يكن في الأفراد وحدهم، ولكن في البنية تحديدا، القادرة على استنساخ النماذج الميتة والمتواطئة. هناك بؤس هيكلي عميق يحتاج إلى ثورة حقيقية.
تعليقات
إرسال تعليق
شكرا لحضورك واهتمامك