الذات والموضوع بين البنية والدلالة



قراءة تحليلية فى " ابتهالات العشق "
 إيهاب الورداني
ناقد و قاص مصري
لكل دار مدخل ، ولكل بيت باب ، لايمكن لأحد الدخول اليه إلا من خلاله .. أمامه نتصفح الواجهة ، ومنه يمكننا الولوج للتعرف على داخله وما يحتوى ..تكمن إذن أهمية الباب فى الفتح .. لذلك لابد من الوقوف أمامه والطرق عليه ريثما يفتح .. وعنوان العمل الابداعى بابه أو مدخله بوصفه العتبة الاولى التى تأسر المتلقى وتحاصره فى بؤرتها الدلالية ..
و " ابتهالات فى العشق " الديوان الأول ل " نور الدين بلكودرى " ..
وكما هو واضح ـ العنوان ـ يتكون من دالين : " ابتهالات " و "العشق "
تقوم العلاقة بينهما على الاضافة التى تحيلهما الى دال واحد .. ومن ثم .. يمكننا الوقوف أمام كل دال علي حده .. ومن ثم إلي الناتج الذي يحيل عليه .
والدال الاول : " ابتهالات " يقودنا إلي عدة نتائج ..
الأول : أن أكثر من ابتهال هنا ..
يتنوع ويتوزع ويضم مستويات متعددة .. ومجيئه جمعا يؤكد هذا التنوع .
الثاني : يتوقف ويتحدد انتاجها الدلالي إذا ما ظلت وحدها كمفردة فلا تخرج عن كونها " تضرعات " .. إما إذا اضيفت إليها دوال أخري فتحت أنساقها في تحديد معنى المضاف إليها .. لذلك يشع الدال الثانى ويؤطر مسارها .
الدال الثانى : " العشق " ونتائجه كالتالي ..
الأول : في افراديته موضوع جذب الكثير من الشعراء إليه ، والسباحة فيه ، وتعددت تنويعاته .
الثانى : بإضافته إلي " ابتهالات " حاصرها وحددها ورسم طريقها .. ومن ثم هيمن عليها ، فأصبح هو الموضوع .
لذا يمكننا القول أننا أمام ذات ترصد موقعها ومكوناته – وأمام أعينها المنجز الشعري المتجدد – من خلال موضوع تحاول استيعاب الجزئيات والكليات فيه ..
ولا أظن أن استحضار العشق هنا كموضوع موقف جاهز وإنما تكأة ورؤية للواقع من خلال معايشات ومواقف ، ولا أقول تجارب مرت علي العاشق هنا فأنفعل بها وتأثر – وإن كانت تغوى – وإنما أميل إلي رؤية الشاعر هنا ..
لذلك صدر " نور الدين بلكودري " ديوانه بثلاث رؤي في العشق ..
الأول : لجلال الدين بن الرومى في المثنوى " إن العشق هو المحبة بغير حساب " .
الثانى : لأرجون في مجنون السا " أنت التى تولدين من كلمى .. أنت دواري .. أنت دمارى " .
الثالث : لــرولان بارت في شذراته " العاشق يحب العشق وليس المعشوق " .
وبتأمل الرؤي الثلاث نجد أن ثمة تفاوتا وتباينا علي الرغم من صعيدهم الواحد .


***
ينتظم ديوان " ابتهالات في العشق " أربع دوائر مركزية أو تنويعات دلالية علي اللحن الواحد الذي اتخذته موضوعها ..
الأول : العشق الخاص
وهو مايمثل للذات العاشقة مواقف محبة في الطفولة والشباب .. ويندرج تحته قصائد
( اتحداك – لعبة الصغار – قولي ماشئتى – أميرة العشاق – لن أعود – قاتلتى – حيرة – حبيبيتى – ارسمينى )
وهي تسع قصائد .
الثانى : العشق الأسري
وهو مايمثل للذات العاشقة مواقف محبة للأم والحبيبة التى تتماهى احيانا فيها ويعتمد علي الفقد الذى هزها وأحدث في النفس مالا يبرحها إلا بتذكرها ويندرج تحته قصائد
( شروق من الغرب – توحد – دمع ينتحر – كنت ذات يوم – عبور – قديستى )
وهي ست قصائد .
الثالث : العشق العام
وهو ما يمثل للذات العاشقة محبة الوطن والتمسك به ويندرج تحته قصائد
( الجسد المنهوك – جدول الحب – عرس اليتامى – احتضار – سيدة المقام – الوجع المنسي – خنجر في القلب – عشق – حنين – نسيان )
وهي تسع قصائد .
الرابع : العشق المطلق
وهو مايمثل للذات العاشقة محبة العشق في ذاته ويندرج تحته قصائد
( فارس من نور – وردة ذابلة – عاشق مفجوع – حبة مخدرة – حلم سراب – جولة حزينه – وجع الذكريات – صلاة الأمل – مجرد سؤال )
وهي عشر قصائد .
وهذا التقسيم ليس حادا ولاجامدا وإنما بعض القصائد قد تتداخل وتتحور وتوؤل إلى هذه الدائرة أو تلك ..وما ابتغيناه هو التأكيد على أن الشاعر هنا فى ديوانه يتغيا العشق المطلق فى رؤيته لواقعه والعالم من حوله عوض العنف الذى يحياه عصره ..
ولعل الاحساس بالعشق موضوعا للوجود أحد الأوجه التى تفسر رؤية الشاعر .. فالفقد والصراع والمد والجزر والحنين والحوار للحبيبة الحاضرة الغائبة جميعها يهدف الى ايجاد منطقة للمجابهة والصمود والتحدى عند التباس الوجود ..
يقول " بلكودرى " فى قصيدة نسيان صـ70
كلما نظرت اليك أولد من جديد
وأنسى أننى رفيق الحزن
وأن دروبى مظلمة
أقلامى دامعة
كلما ألتقيتك أحيى كباقى الشعراء






ويقول فى قصيدة قديستى صـ76
امنحينى جسدك أتوسده
ليذكرنى بحضن أمى
ويقول فى قصيدة توحد صـ52
كل مساء أقرأ عينيك
أقرأ أمل الامس
تقرأين عينى
تقرأين أملى
كل مساء أقرأك
تقرأيننى
عشق الشاعر إذن هو واقعه ، وواقعه هو عشقه ، به وبدونه يحيا .. العشق هنا يجتذب نفسه من الانغماس النزارى ( ظلال نزار قبانى ) إل الناقد والقاص المصري إيهاب الوردانيى الحياة المعيشة التى ترصد الواقع الخارجى " بصيغة الانا " ولاتهمل الواقع الجوانى بانفعالاته وتحديه بغية اكتشاف رحابة انسانية وطلبا للحرية رغم قساوة وتصدع الزمن الآنى
يقول " بلكودري " في قصيدة الجسد المنهوك صـ11
السفر إلي متاهات الشجن
طريق تعرفنى
تحفظ كل تقاسيم جسدى المنهوك
تفضحنى
تشردنى
يحل الليل
انهزم انهزامى المؤقت
اعانق سكون الجسد
تعشقنى الأحلام المفزعه
وكل شجن مشرد يبحث عن وطن
ويقول في قصيدة فارسة من نور صــ 21
أنا الفارس لمهزوم
أشق طريقي إليكى كلي أمل كلي جنون


***
1- يطلع الشعر لدى " بلكودري " من غوصه في العشق مستدركا بوعيه العالم في ذاته بلغة آخاذة بسيطة تغلفها الغنائية .. ويبدو ظلال ( محمود درويش ) مهيمنا عليها .
2- استحضار موضوع العشق يشي بعملية الاغتراب للذات ويضعها في مجابهة بين وجودها وما تتغياه ، هروبا من قسوة الحاضر الذي تعيشه .
3- تمحور الذات حول نفسها وما تعانيه يؤكد دورها المؤثر في صياغة واقعها ونفيها عن هذا الدور يغيبها .
4- الغنائية التى وسمت الديوان لم تكن وليدة رؤية الشاعر وإنما موضوع العشق وعناصره الدلالية هي التى غلبت السردية والدرامية التى حفل واحتفي بها الديوان .
5- تكتسب قصائد " بلكودري " وجودها الجمالي من تعدد زوايا النظر لموضوعها الواحد ، وتوازن الآنى فيها مع الموضوع وكأنما شملت بعدا تراثيا .. تأريخيا مع تطلع لوجودها الآنى والأتى معا .






























ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ابتهالات في العشق : طبع بدار النشر المغربية 2011

تعليقات