رجل بكتاب وابتسامة


شهادة قصيرة جدا في حق شخصية مقتدرة جدا
 التقيت به  ذات مساء رطب، كان أنيقا كعادته، وسيما كخلقته، كان يتأبط كتابا، ويرسم على أديم وجهه ابتسامة عريضة. هكذا عرفته، وهكذا صرت ألتقيه: رجل بكتاب وابتسامة.
فأمّا الكتاب فقد عرفت في ما بعد سر الرفقة:  أرهفت السمع لمداخلاته فألفيت أن عبور الحدود بين الأدب والتاريخ وعلم النفس والسياسة وغيرها من الأجناس سلس وبدون تأشيرة مرور. بل لم أجد حدودا بين الأجناس كلها، فما جارت على الرجل المدارس النقدية ، ولا سدت أمامه دروب السرد، ولا شحت أمامه ينابيع العرفان. يقبل على القراءة  بنهم الجائعين، ويغازل الكتابة بقصائد العاشقين، ويحلج سرود الآخرين بمهارة العارفين، تسعفه الحروف لأنه كائن قرائي، تسايره النصوص لأنه كائن كتابي، تطاوعه لغة الضاد لأنه يتقن العوم في لج أعماقها بحثا عن الدر الكامن فيها، مفعم حتى الثمالة بهوس التجديد، مسكون من رأسه حتى أخمص قدميه بالقديم الأصيل، يرمي كثيرا من الورد أمام القادمين الجدد،  القادمين من العالم السفلي، من المغرب غير النافع في عرف المداحين. يرمي الورود بكل الألوان حبا في سواد عيون اللغة، وعشقا لجمالية الحرف.  هكذا تصبح  الساعة الواحدة بالقرب من سي محمد يوب كافية لتحقيق الشبع المعرفي.
وأمّا الابتسامة فهي ركن من أركان وجوده، حتى في حلمه يبتسم، يكتب قصصا جميلة ومبتسمة، وفي الصباح يكتشف أن الواقع أقبح وأتعس من قصصه، ورغم ذلك يعض على ابتسامته بالنواجذ. سي محمد يوب له قلب ابيض، وسريرة خضراء، وحلمه بكل الألوان. "هو الذي قطع لسانه من جذوره، فتله وصنع منه مشنقة ، ثم ربطه بعنقه، ولما مات أخذ لسانه حق العزاء." هو الذي قطع حبله السري وربط به متاعبه، ثم وضعها على ظهره ومشى وسط الفجاج والفيافي المقفرة نحو القادم المجهول. هو رجل يرشح بالمكارم ، مرح، بسيط في كلامه وهو يتحدث، عميق في أفكاره وهو يشرح، متصوف في مكتبه وهو يتزود بخير الزاد.
سي محمد يوب شمعة تنوس ذبالتها أمام الرياح القادمة من الجهات الأربع، لكنها تنير طريق القادمين.

عبد الغفور خوى

تعليقات