اسماعيل البويحياوي
الساعاتي ناقدا
الدار البيضاء صندوق حكايات. وفي حي( الإنارة) 1958 ولد طفل من الجيل الثالث لأسرة مهاجرة. الأب من أصول عبدية، والأم من أصول دكالية. كان الطفل محمد مشاغبا فوضويا أدمن الرسوب و أتعب المدرسة وأتعبته، حتى جاء يوم الفصل: ضبط محمد يدس( الخنايزة) في الفصل، فودعه المدير (سي الإيمامي) بصفعة وكلمة قاسية:( إلى قريتي دفل على وجهي).
تقذفه المدرسة إلى حانوت الوالد لإصلاح الساعات؛ فالأب التحق بالوظيف في المكتب الوطني للكهرباء، والطفل( وْرَثْ حَرْفَة بُوهْ). صار الحانوت قبلة لأولاد الدرب والأصحاب المتمدرسين. وهنا يعلن محمد تحدي العمر. يتابع الدروس عن بعد، ويعض على الكتاب بالنواجذ. هكذا صار الدكان فضاء لإصلاح الساعات وإصلاح عطب الطرد. وتنبت في الحانوت مكتبة تعج بما لذ وطاب من مجاني الفكر والثقافة والأدب. يقسم الطفل سحابة يومه ( من التاسعة صباحا حتى التاسعة ليلا) بين العمل والقراءة ولقاء الصحاب. ينهل من كتب الفلسفة ومناهجها ويقرأ الرواية والشعر. ويتسجل في مدرسة معهد الرشاد العلمي الحرة كمنتسب، فيجد في مديرها سي محمد بلحسن الملقب بالغراب؛ خير عوض عن صفعة وكلمة ( سي الإمامي). يحصل على الشهادة الابتدائية والبكالوريا كمترشح حر.
ويتعرف على الفكر الماركسي: رأس المال، والبيان الشيوعي لماركس، وكتب إنجلز ولينين حول الأدب والفن. ويتشبع بفكر محمود أمين العالم وغالي شكري. ويقرأ لوكاش وكولدمان وبارث والشكلانيين الروس وعبد الكبير الخطيبي والجابري. تتعمق ثقافته خلال مرحلة الدراسة الجامعية بكلية الآداب عين الشق. تحتفظ ذاكرته بأسماء مازالت بين عينيه: إدريس الناقوري، وفاطمة الزهراء ازريويل. يقبل على المحاضرات ويواظب على حلقات ودروس مختبر النقديات التي كان ينشطها قمري البشير والطائع الحداوي وصدوق نور الدين. يقتنع محمد بمنهج يمنى العيد وكتابها( في معرفة النص)، ويتخذه موضوعا لبحث الإجازة. يلتقي بها ويحاورها في كتاباتها. مرحلة أكسبته قناعة نقدية أرخت بظلالها الواضحة على كتابه هذا( في معرفة القصة المغربية المعاصرة).
تحول محمد يوب الساعاتي الطالب إلى مدرس بالتعليم(1987)، وانتقل للتدريس بسلطنة عمان(1992)، وبها درس وحصل على دبلوم في التوجيه التربوي(2002). يعود بعدها إلى المغرب لاستئناف مهنة المتاعب حتى يومنا هذا.
يلتحق بالساحة الثقافية ناقدا وفاعلا ثقافيا عبر النيت. ويحضر ويشارك في اللقاءات الثقافية الوطنية. وفي هذا السياق تعرفت عليه إنسانا نبيلا خلوقا وكريما.
أول مقال لمحمد يوب رأى النور على صفحات العلم الثقافي 1981 وجاء مرفوقا بكلمة لعبد الجبار السحيمي. والكتاب الذي نلتقي حوله اليوم ( في معرفة القصة المغربية المعاصرة) مشروع خطط له واشتغل عليه بين سنتي 2008 و 2011.
هل قلت إن محمد يوب درس في التحدي والعصامية ؟

تعليقات
إرسال تعليق
شكرا لحضورك واهتمامك