تحت إشراف مؤسسة الأعمال الاجتماعية فرع عين الدار البيضاء ،نظمت جمعية تيمغارين مع الناقد والباحث محمد يوب لقاء تواصليا باذخا احتفاء بإصداره الجديد "في معرفة القصة المغربية المعاصرة " ،شاركت فيه نخبة من النقاد والأدباء بدراسات نقدية وشهادات اعتزاز في حق المحتفى به نذكر منهم :محمد محقق نيابة عن أخيه نور الدين محقق /سعيد بوعيطة /محمد كويندي /مالكة عسال /بوعزة ساهل / الفرحان بوعزة / عبد الغفور خوى / أحمد بهيشاوي /المصطفى فرحات /سعيد رضواني /وآخرون ،
وقد مر اللقاء عبر جلستين رائعتين من تسيير المبدع أنيس الرافعي
أثثهما حضور مكثف .
في معرفة القصة المغربية المعاصرة
الكتابات الأدبية لاغاية لها إن لم يفصد قشرتها قارئ متمرس ،يعرف كيف يؤدي صلاته بإتقان في محراب القراءات ،أقصد بذلك أن أي قارئ ليس بيده الإمكانية لخوض هذا الغمار إن لم يتوفر على زاد حقيقي لاقتحام هذه المحمية ، ذلك لأن القراءات تتعدد بتعدد المناهج والأذواق ، والآفاق المعرفية ،من قراءة سطحية مرورا بقراءة عاشقة انطباعية ، فقراءة نموذجية إلى قراءة أكاديمية غائرة متسلحة بأفق معرفي ، مفخخ بآليات قرائية وأدوات فاحصة حادة ،مزودة بأخيلة وفكر ،ولعبة مراوغة النصوص على درب التجربة والمراس العميقين ،تحكمها موهبة وقادة ، وأعني بهذه الأخيرة الأثر الذي بين يدي " في معرفة القصة المغربية المعاصرة "للناقد "محمد يوب "الذي تناول فيه ناقدنا النصوص المغربية الأدبية ،واقتفى أثر نخبة من الأدباء ،خارجيا وداخليا ، من حيث الصياغة الفنية والبناء المعماري ، إلى التيمات الموضوعاتية بكل ماتتطلبه المواقف الفكرية للأديب ،وبالتالي مدى اعترافه بأقلام التمعت في سجل التاريخ الأدبي المغربي ،لكن بقيت خارج السطح ،وغمرتها مياه التهميش والإهمال ...
وقراءة محمد يوب للنصوص الأدبية ليست وليدة لحظة مختزلة في هذا الكتاب ،بل منذ مدة وهو مواكب عليها عبر صفحات الجرائد ومواقع الانترنيت ،ولكتب الأجيال السابقة ،فهو فَهْد مفترس بنَهم في غابة الكتب وعالم الورق ،يصطاد بشباكه مااقتنصته عينه ،واتسع له ذهنه ،ولما امتلأ مزوده ،أفرغه في كتابه المتميزهذا ، الذي شدني بقوة من أولى صفحاته ،ونظرا للاهتمام الكبير الذي أولاه محمد يوب للكتّا ب المغاربة ،كأب صالح لايفرق بين أولاده بقلب مُشبَع رأفة وحب الإنسانية ،فقد اتجه بكل مكوناته النقدية العميقة ،إلى الأدباء المغمورين بكلكل الزبونية ،وأغشية المحسوبية ،وأخرجهم محمولين على أكتاف هذا الكتاب وزفهم إلى مباهج النور وشطآن الشمس ،حتى لايبقوا وأدابهم رهينة اعتقال أقبية الرفوف، وعتمة الظل ،وكان للمنتوج " في معرفة القصة المغربية المعاصرة "صفعتان :
**ـــ الصفعة الأولى : التعريف بالكاتب وإنتاجه
**ــ والصفعة الثانية : تحليل المنتوج الأدبي من موقع أكاديمي بأدوات موضوعية فاحصة ،عادلة ، بعيدة كل البعد عن الذاتية وحب الظهور ،فشملها بتأويل وتتبع يقظ بكل ماتعنيه تشكلات السرد ومضامينه ،من منظوره الشخصي ،وحنكته البارعة في هذا الميدان ،وما استوعبه من مناهج وآراء ونظريات ،مستدلا بنماذج ومقتطفات سردية مغربية ،فوجد تنوعا هائلا شكلا ومضمونا ،باعتبارها كتابات متشكلة للواقع انطلاقا من الخيال، للبحث لها عما يكون ، وليست مرآة عاكسة له لتصف جزئياته وكفى ..وتختلف طقوسها ووازعها الفني وصياغتها المعمارية ،وتيماتها ولغتها من كاتب إلى آخر ،حسب التعامل مع الواقع ،والأفق المعرفي ،ومدى الاطلاع على التجارب الأخرى ، والذكاء الحاد في مراوغة اللغة ، ومدى اتساع الأخيلة ،انطلاقا من الصراع النفسي بطبيعة الحال ..واقفا على كل منتوج بحذر شديد ،مبينا التميز الحاصل بين كل كاتب وآخر : لاأقصد هنا مبدأي الجودة والرداءة ،وإنما الفرادة في الأسلوب والتصوير وعرض الأحداث ،ومعالجة القضايا الإنسانية ،وما تنطبع به السرديات من حالات الجدية والفنتازية والسخرية والكوميدية والفكاهية والدرامية وما إلى ذلك... فجاءت قراءته للسرديات المغربية معززة بأقوال فطاحلة النقد العربي مثل طه حسين ، مُثر رؤيته بتجارب غربية مثل "رلان بارث " وغريماس " ،حيث تشبع ناقدنا بالتجربتين ومزجهما في خلطة عجين واحدة ؛ ليَطْلَع بتجربة فردية دسمة ،تعرف كيف تشق بمنجلها الفضي جسد السرد المغربي ـوتُخرج من غوره الدرر المكنونة ،والجميل في هذا الكتاب ،هو اشتغال الكاتب على مفاهيم ومصطلحات ، التي نعتبرها من البساطة بمكان أنها جزئيات ،وغير وارد أن نعيرها اهتماما ،فوقف عليها بالتحليل الأكاديمي المطنب ،ليوضح مقاصد كل منها والعلاقات التي تجعلها تتقاطع ، أو تختلف في مابينها ،أصوغ على سبيل المثال "الملقي "والمتلقي "....
فبعد أن لامس الناقد بنبراس ضوئي سراديب بعض المقتطفات السردية لكل كاتب مغربي ، نحا بالتفصيل إلى الحفر في بعض المجموعات القصصية لكل كاتب على حدة ،ليقف على خصوصيات كل مجموعة، و يتهجى بالتالي ماوراء سطورها ، ثم يطفح بالمتخفي إلى السطح ،ليقدمها للقراء لقمة سائغة على طبق شهي :فقد رأى لدى القاص إسماعيل بويحياوي الانزياحات البلاغية ..و لدى حسن برطال السرد الحكائي بتلونه الشعبي الفكاهي..وحميد ركاطة تنوع الأفعال وأصوات الأبطال في درامى مسرحية .. وفي أسلوب نور الدين محقق الحكائي المقامي القديم الموروث المسنن على الفطرة والموهبة ،..وعبد الغفور الخوى التصوير البارع بنقلة فسيفسائية للواقع بشكل حركي وتسلسل للأفكار...وفي أسلوب المرحوم المختار الغرباني المباشرة الصريحة منمقة بالفنتازية والغرائبي ..و خاصيات أسلوب عبد الله المتقي السرد بالسهل الممتنع بقاموس من الألفاظ البسيطة المنتقاة ..والسعدية باحدة البناء اللغوي والجدلي وعمق المعنى في المبنى ...وعبد الحميد الغرباوي اللغة الإيحائية الانفجارية بحركة ديناميكية منعدمة الانسجام والتوحد ..وبوعزة فرحان التوظيفات السيميائية من منظور فلسفي ..وسعيد رضواني الاشتغال على الخيال الفردي والجماعي...وأحمد سقال السخرية السوداء بالأسلوب المضحك المبكي المستفز للمتلقي ...وأنيس الرافعي الأسلوب الفنتازي العجائبي بتسلسل منطقي درامي كبير ...ونجاة سرار توظيف السهل الممتنع ،ومحمد فري البنية البسيطة غير مغرقة في الترميز ...
خلاصة القول ،فَبِقدر ماخفّ وزن الكتاب بقدر ماثقلت معرفته ،وتنوعت وشملت إفادة واسعة ،خاصة لمن هم مقبلون على كتابة القصة القصيرة جدا أو القصة القصيرة ،وأنصح كل قارئ بالاطلاع عليه لعدة اعتبارات :أولا ـــ معرفة أدب متميز ومتنوع لنخبة من الأدباء المغاربة
ثانيا ـــ التحليل المنهجي الرائع الذي كيفما كان الحال لن يخرج القارئ فارغ المحتوى ،فلابد أن يخرج منه بصيد ثمين
ثالثا ــ الأسلوب الشيق الذي عالج به ناقدنا التجارب ،فهو يشد القارئ من أول وهلة ...
مالكة عسال
26/10/2011






















تعليقات
إرسال تعليق
شكرا لحضورك واهتمامك