نظم بيت الأدب المغربي تحت إشراف مؤسسة الأعمال الاجتماعية فرع عين الشق الدار البيضاء يومه الأحد 18 دجنبر لقاء أدبيا وازنا ،مع الشاعر عمر العسري بمقر فضاء الحرية الكائن في زاويتي شارع المنظر العام وشارع فاس ، حضرته نخبة من نقاد ومبدعين ،ودكاترة وأساتذة جامعيين احتفاء بدوانه الثاني "يد لاترسم الضباب " كان اللقاء من تسيير المبدع عبد اللطيف حباشي ،الذي فتح اللقاء بتوجيه كلمة شكر إلى كل المثقفين والنقاد والمتذوقين لهذا الجنس الرفيع مُثنيا على بيت الأدب المغربي ومؤسسة عين الشق ...ثم أعطيت الكلمة لمالكة عسال الكاتبة العامة لجمعية بيت الأدب المغربي ،التي قدمت في كلمة مختزلة التعريف بالجمعية وبعض أهدافها وتصورها لأنشطة تهم بالأديب والأدب المغربيين ،وتقدم لهما خدمات للإعلاء من شأنيهما ..كما قدمت حصيلة المنجزات التي قام بها بيت الأدب المغربي في ربوع المملكة المغربية، إن على مستوى اللقاءات أو المهرجانات أو التكريمات أو الاحتفاءات بالإصدارات مختتمة كلمتها بالشكر للحضور الكريم ...
وعلى غير عادة اللقاءات قام رئيس الجلسة بتقديم المحتفى به الشاعر عمر العسري بقول كلمة قبل المتدخلين إيمانا منه بأن الصورة تسبق المعنى ،فقدم المحتفى به توضيحات حول نزول نصوص ديوان "يد لاترسم الضباب" في مدة ثلاث سنوات ،واختيار العنوان ،دون تفسيرمسبق لمعناه ،والغرض منه ليس البحث عن المعنى في اللغة ،وإنما البحث عنه في الواقع ،وربما قد يلتبس على البعض ،لأن هذاهو قدر الشاعر أن يبني دون أن يسكن على حد التعبير ..
ويأتي دور المبدع مصطفى الصباني االباحث في تحليل الخطاب في السوسيولوجيا الذي رأى خطوط التواصل بين هذا الديوان وسابقه ،الذي يبين بجلاء استمرار الشاعر على الخطى طامحا إلى احتضان الكون كله ،قافزا على ذاته لتفجير ينابيع الحياة فعنوان الديوان الأول "عندما يتخطاك الضوء " والديوان الثاني "يد لاترسم الضباب "هي ملاحقة جلية للضوء بتنويع جديد بتعقبه .. فالشاعر لايرى إلا سديما ،وهي رؤية لاستنطاق الأشياء في صمتها ووجودها ،وملامستها في حقيقتها المطلقة طارقا باب اللغة لغة الشعر المجازي التي شعارها الرقص والعزف والغناء ..
ويتدخل عبد الرحمان مصلوحي ،الذي رأى في الضباب هذا العالم الذي تربطنا به أسئلة الوجود ،العتمة التي تخلق شعرا رائعا تغير فينا شيئا ما، وتوقظ صمتا لِيَد لاتريد أن ترسم الضباب ،وهو سعي من الشاعر إلى طرح الكينونة في بعدها برسم المستحيل ،وتجاوز التردد الحاصل بين الشعر القومي والشعر الكوني بتنبني رؤية حديثة مختلفة ، مراهنا على اختيار الجمالي ..فاليد تتحدى الرسم إلى الرؤيا رؤيا للوجود والشعر معا .. فاليد هنا تعني رغبة وإرادة للتجاوز والتحدي لالِتُعبّر وإنما لتشكل ..وكانت المداخلة عميقة ذات أبعاد أكاديمية حللت العمل الأدبي بعمق وسبرت أغواره بقوة ...
ويتدخل الناقد محمد يوب ،ليعبر عن سعادته بتواجد نخبة من المثقفين ،شاكرا الحضور الكريم على دعمهم اللقاء ،ثم تناولَ مداخلته من زاويته الخاصة ،التي تحدد أن الديوان هو مجموعة من المقاطع الشعرية التي تترصد فسيفساء الواقع، لتنقلها إلى واقعية المتخيل فتصبح على صفحات القصيدة متحركة، لتبحث عن تركيب يناسبها وتعبير يناسبها في دلالة تجمع الملقي والمُلقََى إليه ..كما رأى أن الديوان تقاطع بين السوسيولوجي والسيمولوجي ،حيث يتيه القارئ بين انزياح الكلمات في البحث عن دلالاتها ،وهذا يبين ثقافة الشاعر الواسعة بحضور وعيه الشقي لتوريط المتلقي ببلاغة البياض ،وهو تعبير عن نفسية الشاعر ،كما أوضح علاقة القصيدة بأجناس أخرى كالرواية والقصة والمسرح وغيرها ..
وتُتابَع المداخلات من قبل المبدع الشاب محمد الدرازي وهو باحث في تحليل الخطاب ومهتم بالفلسفة والتصوف ،قدم مداخلته تحت عنوان " الحياة قصيدة لم تُكتب بعد" فالشاعر يعيش قلق موته موضحا أن كل إبداعات الإنسان من أدب وفن تُعبّر عن قلق المبدع ،فالمبدع يعيش قلق الموت ،وإبداعه هو الخلاص من هذا الإحساس الرهيب لخلق حيوات أخرى ، بدل الحياة التي أُلقِي فيها متبوعة بالموت ،وإنتاج المعنى هو رديف الخلق ،فالشاعر عمر العسري يدافع عن فعل الخلق بمعنى : أن اليد لاتشكل معنى غائبا ، ولاترسم أشياء ليست لها أهمية وللتوضيح أكثر ،أثرى المداخلة بالعديد من النظريات والمقولات الفلسفية العميقة : من بروتيوس وأفلاطون وهيدجر ويُمنى العيد وغيرهم ..وتُختَم المداخلات بمداخلة الدكتور فيصل الشرايبي وهو مبدع له عدة إسهامات في مجلاّت وطنية وعربية .. بعد تثمين هذا اللقاء كدفء يُبعد صقيع الجو،استجاب لنداء عادة أقبرها هذا الزمن البئيس ،الذي يقيم الولاء والأعراس لمن لايستحقها ،بينما مَن امتشقوا الحرف لايساوون جناح بعوضة ،بدأ مداخلته انطلاقا من شخص عمر العسري الشاب الطموح الباحث النابغة الذي يتوسم فيه الخير حيث في هذا الحفل كأنه أقام لديوانه عقيقة نَحَر له روحه ودمه ،يرى الدكتور أنه لتوضيح العنوان "يد لاترسم الضباب" يجب امتطاء عدة صهوات للوقوف على دلالته ،فاليد تريد أن ترسم ماهو واضح وظاهر وجلي ،كما تَوغّل في صلب الديوان ،ليدلي برأيه في أن القصيدة في ديوان الشاعر عمر العسري تتباهى بالألوان، تستوطنها سيرة ذاتية ثاوية بين ثناياها ،حيث تموسقت القصيدة بأطياف من الألوان بالإنصات على الذات ، ودبدباتها لتعيد إليها اعتبارها في محراب الشعر ..كما استعرض ماينطوي عليه الديوان من فنون الرومانسية والسريالية وغيرهما ،التي جعلته تحفة نادرة ....
ومسك الاختتام كانت قراءة متميزة للمحتفى به عمر العسري لقصيدة من شعره بعنوان" رغبة تعترضها الطيور " توجت بتسليمه درع بيت الأدب المغربي مع الملصق ،وتوزيع شهادات التقدير على المشاركين ..
مالكة عسال
18/12/2011

تعليقات
إرسال تعليق
شكرا لحضورك واهتمامك