عزيزة الرحموني
محمد يوب الإنسان أين و كيف بدأت أولى خطواته في درب الحياة ؟
محمد يوب
محمد يوب من مواليد الدار البيضاء سنة 1958 من عائلة متوسطة الحال كان والدي رحمه الله مستخدما بالمكتب الوطني للكهرباء،كنت أكره أسوار المدرسة وطرق التدريس القديمة القائمة على تعنيف التلاميذ التي ولدت لدي كرها لها،مما دفعني إلى تركها في السنة الخامسة ابتدائي،والبحث عن مجالات أخرى غير التربية و التعليم. اشتغلت في محل لإصلاح الساحات كان في ملك والدي وفي هذه الفترة تعرفت على أصدقاء يحبون المعرفة ومغرمون بقراءة الكتاب،فكانت هذه المرحلة انعطافة أساسية في حياتي،حيث تسجلت في إحدى المدارس الحرة التي تسمى معهد الرشاد العلمي الذي كانت الدراسة فيه أكثر سوءا وأكثر تعنيفا،لكنني واضبت على الدراسة على مضض لأنني عرفت أهمية المدرسة وأهمية الحصول على الشهادة التعليمية. دامت الدراسة هناك أربع سنوات،وبعدها انتقلت إلى معهد الادريسي الحر الذي كان فيه خيرة الأساتذة وأغلبهم من الموقوفين من مماسة التعليم بسبب مواقفهم المعارضة،وفي هذه المؤسسة التعليمية تأثرت بأحد الأساتذة المميزين في اللغة العربية وهو الأستاذ عبد الحفيظ وكان فصيحا مجدا في تدريس اللغة العربية وكنت أتابع دروسه باهتمام،وأتابع دروس الأستاذ الخياري في الفلسفة بالرغم من ظروف الدراسة السيئة آنداك. ثم بعد ذلك انتقلت إلى معهد المعروفي الحر حيث حصلت على البكالوريا وتسجلت في كلية الآداب الدار البيضاء،وهناك كنت مداوما على مكتبتها العامرة التي كانت توفر لنا كل سبل التحصيل المعرفي لأننا كنا الفوج الأول آنذاك، وحصلت على الاجازة في الأدب العربي،وكنت مهتما بشكل كبير بقراءة الأعمال القصصية و الروائية والاهتمام بشكل كبيربمجال النقد الأدبي وبالمناهج النقدية بشكل خاص.
عزيزة الرحموني
محمد يوب الناقد من أي باب دخل دوامة النقد؟
محمد يوب إن اهتمامي بالنقد الأدبي كان بسبب حبي لكل ماهو إشكالي،لكل ما يطرح قضايا فكرية وفلسفية،وأهم المجالات التي كنت أركز عليها في دراستي هي الفلسفة التي كانت في عهدنا مزدهرة،فكنت أقرأ للجابري و عبد العروي في الفكر و الفلسفة وسمير أمين وعزيز بلال في الاقتصاد...وكان لهذا الأسلوب في التفكير أثر كبير في تفتق موهبة النقد الأدبي،بحيث لم أكن أهتم بظاهر النص بل كنت أهتم بباطنه،كنت أفكك القصائد الشعرية وأأول النصوص القصصية انطلاقا مما أحمله في جعبتي من أدوات نقدية بسطة كانت متاحة آنداك وغالبا ما كانت وليدة المناهج المعروفة آنداك وهي المنهج الاجتماعي الذي يركز على تأثير المجتمع في الأدب و المنهج الشكلاني الذي يهتم بشكل النص و المنهج التاريخي الذي يهتم بحياة الأديب ... عزيزة الرحموني في البدء كيف يتم التفاعل بين المبدع و المتلقي إذا كان المُلقي يُضمر و يُخفي و يخاتل المتلقي في كتابته ؟ محمد يوب الكاتب مخاتل أول و القارئ مخاتل ثان الكاتب يكتب المنجز الأدبي وهو يستحضر القارئ المحتمل،يحاول إشراكه وتوريطه في تأثيث فضاء العمل الأدبي،من خلال بلاغة البياض،إن الكاتب يترك مجموعة من الفراغات في النص الأدبي التي يكون القارئ مجبرا بملئها بواسطة ما يحجمله من مضمرات نصية ومضمرات تخاطبية يشترك فيها الملقي و المتلقي،وبالتالي يكون النص الأدبي خاضعا لعملية التلقي و التأويل،حيث يمتج القارئ نصا آخر يتلاءم وقناعات وثقافة المتلقي. فالنص الأدبي رسالة صادرة من مرسل وهو الكاتب يستقبلها المتلقي و هو القارئ وهذه الرسالة مشحونة بحمولة فكرية وأيديولوجية تخضع لعملية التأويل كل قارئ يؤولها حسب قناعاته وحسب ما يحمله آليات وأدوات تفكيكة وتأويلية،وهنا يصبح القارئ ناقدا بدوره،وهكذا تتعدد القراءات بتعدد القراء.
عزيزة الرحموني
القصة القصيرة تثير أسئلة مقلقة كثيرة و تنفتح على تعدد القراءات. كيف نحكم على أهمية المنجز السردي و دوره في بلورة الرؤية و تحديثها ؟
محمد يوب
القصة القصيرة تختزل العالم تتتبع تفاصيل المجتمع وتنقل مفرداته من مفردات الواقع إلى مفردات واقع القصة المتخيل،وعندما يحتمر في ذهن الكاتب ينقله أدبا بأن يضيف إليه ما سماء جاكبسون بأدبية العمل الأدبي،وكل إبداع يحمل رؤية و الرؤية تختلف باختلاف الحمولة الفكرية والعمق الفكري للمبدع،ولهذا تتعدد القراءت للعمل الواحد لأن القصة فن أدبي يشغل الكاتب و القارئ،يشغل الكاتب أثناء عملية الكتابة،ويشغل القارئ أثناء عملية القراءة.
عزيزة الرحموني
أحيانا يقع المتلقي في الغموض بين الشخص و الشخصية في العمل الأدبي. كيف يمكن تجاوز هذه الإشكالية ؟
محمد يوب
الشخص هو الكاتب الانسان، و الشخصية هي الأبطال الذين يؤدون الأدوار التي يعطيها لهم الكاتب،و الشخصية في القصة أو في الأعمال الأدبية عامة،ليست من لحم ودم وإنما هي شخصيات ورقية يسيرها الكاتب انطلاقا من زوايا الرؤية،وغالبا ما يختار الكاتب زاوية الرؤية من الخارج لتكون له الحرية في تسيير الشخصية و التحكم فيها من خارجها و توجيهها التوجيه الذي يريد،وحينها تتحول الشخصية من الشخصية العاملة إلى الشخصية الممثلة التي تقدم أدوارا في فضاء القصة.
عزيزة الرحموني
لكل مبدع لغته و طريقته في نقل الواقع. هل يجب بالضرورة أن تكون الكتابة مرآة تعكس المعاش و واقع الحال ؟
محمد يوب
المبدع لا ينقل الواقع بشكل حرفي وإنما يتمثله وينقله بطريقة أدبية،المبدع ينقل تفاصيل الواقع وينقلها من واقع الواقع إلى الواقع المتخيل،ومن هذا الأخير يستقي المبدع مادته الأدبية،فكل الناس يتأثرون بالأحداث الواقعية وينقلونها إلى متخيلتهم،وكل واحد يعبر عنها بطريقته،إما بلغة المؤرخ أو لغة الأنتروبولوجي لكن ما يميز الخطاب الأدبي عن هذه الخطابات هو أدبية العمل الأدبي أي ما يجعل من الخطاب العادي خطابا أدبيا.
عزيزة الرحموني
متى يكون النص جميلا ؟ هل ذلك ممكن إذا كان النص بسيطا في بنيته ؟ هل يجب أن يتسربل بالترميز مثلا ؟
محمد يوب
الجمال حكم قيمة يشترك فيها كل من الكاتب و النص و القارئ فلكي يكون النص جميلا ينبغي أن يكون صاحب النص مبدعا ويكون النص راقيا و القارئ متذوقا،وجمال النص يكمن في بساطته وليس في تعقيده،واستعمال الرمز يكون من أجل خدمة النص وليس من أجل خدمة الرمز،لأن استخدام الرموز ينبغي أن تكون محينة تخدم العمل الأدبي وتحدث تداعيات في ذهن القارئ.و النص الجميل هو الذي تكون فيه عين الأديب على الواقع ويده على الصيغة.
عزيزة الرحموني
في مجال الإبداع الشعري متى يكون البناء المعماري متكاملا لقصيدة ما سواء كانت تفعيلة أو معاصرة ؟
محمد يوب
المقصود بالبناء المعماري هندسة النص الداخلية،شعوريا وفكريا،وهو مرتبط بمفهوم الوحدة العضوية،بمعنى ترابط الأحاسيس و الأفكار و انتظامها فيما يسمى بالتحام أجزاء التنظيم،والبناء المعماري في قصيدة التفعيلة يختلف عنه في القصيدة العمودية،التي كان البناء المعماري فيها يلتزم بسيمترية القصيدة التقليدية في اعتمادها على نظام الشطرين الصدر و العجز،واحترام الوزن و القافية دون احترام للوحدة العضوية التي تطورت فيما بعد وسميت بالبناء المعماري للقصيدة،وهو الجانب الذي اهتم به شعر التفعيلة أو ما يسمى اصطلاحا بالشعر الحر. فالبناء المعماري ينهض على حركية المقاطع الشعرية في فضاء القصيدة،التي ينهض فيها الشعور و التفكير في حركة واحدة ينجزها الشاعر منذ بداية القصيدة إلى نهايتها،مع مراعاة الانصات إلى الواقع المحسوس.
عزيزة الرحموني
ما رأيك في الرمزية داخل بنية الشعر المغربي المعاصر و ما أنواع الرموز المستعملة من طرف الشعراء المغاربة؟
محمد يوب
الرمز من التقنيات التي يكثر استخدامها في الشعر المغربي المعاصر،وهو وسيلة يعتمدها الشاعر للإيحاء بدل المباشرة و التصريح،فينقل القارئ من المستوى المباشر للقصيدة إلى المعاني و الدلالات التي تكمن وراء الكلمات،كما يقوم باستكمال ما تعجز الكلمات عن تبيانه. يقول أدونيس( الرمز هو ما يتبح لنا أن نتأمل شيئا آخر وراء النص،فالرمز هو قبل كل شئ معنى خفيا وإيحاء،إنه اللغة التي تبدأ حين تنتهي لغة القصيدة،أو هو القصيدة التي تتكون في وعيك بعد قراءة القصيدة) و الرمز لا ينهض على محاكاة الواقع،وإنما ينطلق منه ويتجاوزه لإنشاء علاقات جديدة مرتبطة بعالم الشاعر،وفي هذه المرحلة يصبح الشعر أكثر صفاء وتجريدا،لأنه يقدم صورا حسية توحي بما هو معنوي.وهو بذلك عندما ينطلق من الواقع يرتبط بالذات فتنهار المعالم المادية وتنهض على أنقاضها علاقات جديدة مرتبطة بالرؤية الذاتية للشاعر. والرمز كخيار جمالي وكتقنية فنية لايقحمه الشاعر مباشرة في القصيدة بشكل اعتباطي،ولكن يدمجه بطريقة مدروسة ،فهو يأتي من اللاوعي و يفرض نفسه على الشاعر. ويختلف الرمز في الشعر المغربي المعاصر من شاعر لآخر حسب الرؤية الشعرية،وحسب اختلاف الثقافات و المذاهب الشعرية و المرجعيات الأيديولوجية. و أهم المصادر التي يستقي منها الشاعر رموزه نذكر،الرموز الموجودة سلفا في المشهد الثقافي والتراث الإنساني كتوظيف الأساطير و التراث الشعبي و الديني....ويعمل على توظيف هذه الرموز في ضوء الواقع الشعري المعاصر،وليس من باب تقديس هذا التراث،فالشخصيات الرمزية سواء أكانت تاريخية أم أسطورية يخضعها الشاعر لمنطق السياق الشعري،و للتجربة الشعورية التي تتيح لهذه الشخصيات الرمزية دلالات متعددة بتعدد الرؤى.
عزيزة الرحموني
ما موقع المرأة في الكتابة الإبداعية كتيمة ؟ كيف تُوظف صورتها ؟هل يعكس هذا التوظيف نظرة الرجل العربي إلى المرأة ؟
محمد يوب
إن ذاكرة المرأة ومخزونها الثقافي مازلت محاطة بالعديد من الإنشاءات الثقافية والسياقات التقليدية الضاغطة التي تجعلها غير قادرة على التعبير عننفسها بلغة نسائية، وذلك بسبب سيطرة الفكر الذكوري المهيمن على الثقافة في مجتمعاتنا، هذا الفكر الذي أصبح قناعة مهيمنة في المشهد الثقافي العربي عامة،وعندما عبرت المرأة عن نفسها أدبا وضعت يدها على الجرح الغائر التي تعيشه المرأة. إن اللغة المتداولة والمكتوبة والمبثوثة في حركات الجسد، مازالت تحمل علامات الذكر الذي رسخ فيها معطيات مذكرة، مع إقصاء عالم المرأة على المستوى التعبيرالكتابي والشفوي(عندي موقف رجولي)، وتكمن إحدى إشكالات اللغة في أنها توجد ضمن أعمدة ثقافة المذكر من حيث إنه يعتبرها طريقته الفضلى للتموضع في بؤرة كل نقاش نظري أو فكري، كما تعتبر أحد أهم أدوات هذه الثقافة للاستمرار وإعادة إنتاج ذاتها، وهذا الإحساس بذكورة اللغة مستنتج من الإحساس بذكورة الثقافة التي تعتبر مجالا حيويا وطبيعيا لهيمنة النظام الأبوي، ولهذا لم تستطع المرأة إلا أن تبادل اللغة بالجسد، فحتى وإن شاركت مع الرجل في التعبير العادي، فهي تتفوق عليه في تعبيرات الجسد، فاللغة المباشرة للجسد تعتبر إحدى أسلحة المرأة للدفاع عن وجودها المباشر أمام سلطة المؤسسة اللغوية السائدة، وضد الذوبان والانصهار المعلن والخفي في صف الذكورة. فيقابل احتفاء المرأة بجسدها ولغاته، احتفالية الرجل بفحولته التي يعبر من خلالها عن كينونته وتفوقه في مدارج السلطة المعرفية والثقافية.
عزيزة الرحموني
ما الثابت و المتحول في الإبداع العربي الراهن ؟
محمد يوب
إن المشهد الثقافي العربي مع الأسف ما زال يعيش مرحلة التجريب،مازال يبحث عن الهوية ،فمرة يعود إلى الماضي ليحفر عميقا في التراث العربي القديم وفي عودته إلى الماضي تأثر بالثابت الذي لم يعد مواكبا لظروف العصر،ولم يعد مساسرا للمستجدات اليومية التي تعرفها الانسانية،وعندما يرد المثقف العربي الاستفادة من الغرب فإن الفكر الغربي لا يمكن فصله عن الأيديولوجية،وفي الرجوع إلى الماضي و الانغماس في ثقافة الغرب يبقى المثقف العربي تائها يبحث عن ذاته.وتبقى الاشكالية قائما كيف تقدم الأخر وتخلفنا نحن،ويبقى الآخر و النحن هي عقدة الانسان العربي.
مودة لن تشيخ أبدا محمد يوب
محمد يوب الإنسان أين و كيف بدأت أولى خطواته في درب الحياة ؟
محمد يوب
محمد يوب من مواليد الدار البيضاء سنة 1958 من عائلة متوسطة الحال كان والدي رحمه الله مستخدما بالمكتب الوطني للكهرباء،كنت أكره أسوار المدرسة وطرق التدريس القديمة القائمة على تعنيف التلاميذ التي ولدت لدي كرها لها،مما دفعني إلى تركها في السنة الخامسة ابتدائي،والبحث عن مجالات أخرى غير التربية و التعليم. اشتغلت في محل لإصلاح الساحات كان في ملك والدي وفي هذه الفترة تعرفت على أصدقاء يحبون المعرفة ومغرمون بقراءة الكتاب،فكانت هذه المرحلة انعطافة أساسية في حياتي،حيث تسجلت في إحدى المدارس الحرة التي تسمى معهد الرشاد العلمي الذي كانت الدراسة فيه أكثر سوءا وأكثر تعنيفا،لكنني واضبت على الدراسة على مضض لأنني عرفت أهمية المدرسة وأهمية الحصول على الشهادة التعليمية. دامت الدراسة هناك أربع سنوات،وبعدها انتقلت إلى معهد الادريسي الحر الذي كان فيه خيرة الأساتذة وأغلبهم من الموقوفين من مماسة التعليم بسبب مواقفهم المعارضة،وفي هذه المؤسسة التعليمية تأثرت بأحد الأساتذة المميزين في اللغة العربية وهو الأستاذ عبد الحفيظ وكان فصيحا مجدا في تدريس اللغة العربية وكنت أتابع دروسه باهتمام،وأتابع دروس الأستاذ الخياري في الفلسفة بالرغم من ظروف الدراسة السيئة آنداك. ثم بعد ذلك انتقلت إلى معهد المعروفي الحر حيث حصلت على البكالوريا وتسجلت في كلية الآداب الدار البيضاء،وهناك كنت مداوما على مكتبتها العامرة التي كانت توفر لنا كل سبل التحصيل المعرفي لأننا كنا الفوج الأول آنذاك، وحصلت على الاجازة في الأدب العربي،وكنت مهتما بشكل كبير بقراءة الأعمال القصصية و الروائية والاهتمام بشكل كبيربمجال النقد الأدبي وبالمناهج النقدية بشكل خاص.
عزيزة الرحموني
محمد يوب الناقد من أي باب دخل دوامة النقد؟
محمد يوب إن اهتمامي بالنقد الأدبي كان بسبب حبي لكل ماهو إشكالي،لكل ما يطرح قضايا فكرية وفلسفية،وأهم المجالات التي كنت أركز عليها في دراستي هي الفلسفة التي كانت في عهدنا مزدهرة،فكنت أقرأ للجابري و عبد العروي في الفكر و الفلسفة وسمير أمين وعزيز بلال في الاقتصاد...وكان لهذا الأسلوب في التفكير أثر كبير في تفتق موهبة النقد الأدبي،بحيث لم أكن أهتم بظاهر النص بل كنت أهتم بباطنه،كنت أفكك القصائد الشعرية وأأول النصوص القصصية انطلاقا مما أحمله في جعبتي من أدوات نقدية بسطة كانت متاحة آنداك وغالبا ما كانت وليدة المناهج المعروفة آنداك وهي المنهج الاجتماعي الذي يركز على تأثير المجتمع في الأدب و المنهج الشكلاني الذي يهتم بشكل النص و المنهج التاريخي الذي يهتم بحياة الأديب ... عزيزة الرحموني في البدء كيف يتم التفاعل بين المبدع و المتلقي إذا كان المُلقي يُضمر و يُخفي و يخاتل المتلقي في كتابته ؟ محمد يوب الكاتب مخاتل أول و القارئ مخاتل ثان الكاتب يكتب المنجز الأدبي وهو يستحضر القارئ المحتمل،يحاول إشراكه وتوريطه في تأثيث فضاء العمل الأدبي،من خلال بلاغة البياض،إن الكاتب يترك مجموعة من الفراغات في النص الأدبي التي يكون القارئ مجبرا بملئها بواسطة ما يحجمله من مضمرات نصية ومضمرات تخاطبية يشترك فيها الملقي و المتلقي،وبالتالي يكون النص الأدبي خاضعا لعملية التلقي و التأويل،حيث يمتج القارئ نصا آخر يتلاءم وقناعات وثقافة المتلقي. فالنص الأدبي رسالة صادرة من مرسل وهو الكاتب يستقبلها المتلقي و هو القارئ وهذه الرسالة مشحونة بحمولة فكرية وأيديولوجية تخضع لعملية التأويل كل قارئ يؤولها حسب قناعاته وحسب ما يحمله آليات وأدوات تفكيكة وتأويلية،وهنا يصبح القارئ ناقدا بدوره،وهكذا تتعدد القراءات بتعدد القراء.
عزيزة الرحموني
القصة القصيرة تثير أسئلة مقلقة كثيرة و تنفتح على تعدد القراءات. كيف نحكم على أهمية المنجز السردي و دوره في بلورة الرؤية و تحديثها ؟
محمد يوب
القصة القصيرة تختزل العالم تتتبع تفاصيل المجتمع وتنقل مفرداته من مفردات الواقع إلى مفردات واقع القصة المتخيل،وعندما يحتمر في ذهن الكاتب ينقله أدبا بأن يضيف إليه ما سماء جاكبسون بأدبية العمل الأدبي،وكل إبداع يحمل رؤية و الرؤية تختلف باختلاف الحمولة الفكرية والعمق الفكري للمبدع،ولهذا تتعدد القراءت للعمل الواحد لأن القصة فن أدبي يشغل الكاتب و القارئ،يشغل الكاتب أثناء عملية الكتابة،ويشغل القارئ أثناء عملية القراءة.
عزيزة الرحموني
أحيانا يقع المتلقي في الغموض بين الشخص و الشخصية في العمل الأدبي. كيف يمكن تجاوز هذه الإشكالية ؟
محمد يوب
الشخص هو الكاتب الانسان، و الشخصية هي الأبطال الذين يؤدون الأدوار التي يعطيها لهم الكاتب،و الشخصية في القصة أو في الأعمال الأدبية عامة،ليست من لحم ودم وإنما هي شخصيات ورقية يسيرها الكاتب انطلاقا من زوايا الرؤية،وغالبا ما يختار الكاتب زاوية الرؤية من الخارج لتكون له الحرية في تسيير الشخصية و التحكم فيها من خارجها و توجيهها التوجيه الذي يريد،وحينها تتحول الشخصية من الشخصية العاملة إلى الشخصية الممثلة التي تقدم أدوارا في فضاء القصة.
عزيزة الرحموني
لكل مبدع لغته و طريقته في نقل الواقع. هل يجب بالضرورة أن تكون الكتابة مرآة تعكس المعاش و واقع الحال ؟
محمد يوب
المبدع لا ينقل الواقع بشكل حرفي وإنما يتمثله وينقله بطريقة أدبية،المبدع ينقل تفاصيل الواقع وينقلها من واقع الواقع إلى الواقع المتخيل،ومن هذا الأخير يستقي المبدع مادته الأدبية،فكل الناس يتأثرون بالأحداث الواقعية وينقلونها إلى متخيلتهم،وكل واحد يعبر عنها بطريقته،إما بلغة المؤرخ أو لغة الأنتروبولوجي لكن ما يميز الخطاب الأدبي عن هذه الخطابات هو أدبية العمل الأدبي أي ما يجعل من الخطاب العادي خطابا أدبيا.
عزيزة الرحموني
متى يكون النص جميلا ؟ هل ذلك ممكن إذا كان النص بسيطا في بنيته ؟ هل يجب أن يتسربل بالترميز مثلا ؟
محمد يوب
الجمال حكم قيمة يشترك فيها كل من الكاتب و النص و القارئ فلكي يكون النص جميلا ينبغي أن يكون صاحب النص مبدعا ويكون النص راقيا و القارئ متذوقا،وجمال النص يكمن في بساطته وليس في تعقيده،واستعمال الرمز يكون من أجل خدمة النص وليس من أجل خدمة الرمز،لأن استخدام الرموز ينبغي أن تكون محينة تخدم العمل الأدبي وتحدث تداعيات في ذهن القارئ.و النص الجميل هو الذي تكون فيه عين الأديب على الواقع ويده على الصيغة.
عزيزة الرحموني
في مجال الإبداع الشعري متى يكون البناء المعماري متكاملا لقصيدة ما سواء كانت تفعيلة أو معاصرة ؟
محمد يوب
المقصود بالبناء المعماري هندسة النص الداخلية،شعوريا وفكريا،وهو مرتبط بمفهوم الوحدة العضوية،بمعنى ترابط الأحاسيس و الأفكار و انتظامها فيما يسمى بالتحام أجزاء التنظيم،والبناء المعماري في قصيدة التفعيلة يختلف عنه في القصيدة العمودية،التي كان البناء المعماري فيها يلتزم بسيمترية القصيدة التقليدية في اعتمادها على نظام الشطرين الصدر و العجز،واحترام الوزن و القافية دون احترام للوحدة العضوية التي تطورت فيما بعد وسميت بالبناء المعماري للقصيدة،وهو الجانب الذي اهتم به شعر التفعيلة أو ما يسمى اصطلاحا بالشعر الحر. فالبناء المعماري ينهض على حركية المقاطع الشعرية في فضاء القصيدة،التي ينهض فيها الشعور و التفكير في حركة واحدة ينجزها الشاعر منذ بداية القصيدة إلى نهايتها،مع مراعاة الانصات إلى الواقع المحسوس.
عزيزة الرحموني
ما رأيك في الرمزية داخل بنية الشعر المغربي المعاصر و ما أنواع الرموز المستعملة من طرف الشعراء المغاربة؟
محمد يوب
الرمز من التقنيات التي يكثر استخدامها في الشعر المغربي المعاصر،وهو وسيلة يعتمدها الشاعر للإيحاء بدل المباشرة و التصريح،فينقل القارئ من المستوى المباشر للقصيدة إلى المعاني و الدلالات التي تكمن وراء الكلمات،كما يقوم باستكمال ما تعجز الكلمات عن تبيانه. يقول أدونيس( الرمز هو ما يتبح لنا أن نتأمل شيئا آخر وراء النص،فالرمز هو قبل كل شئ معنى خفيا وإيحاء،إنه اللغة التي تبدأ حين تنتهي لغة القصيدة،أو هو القصيدة التي تتكون في وعيك بعد قراءة القصيدة) و الرمز لا ينهض على محاكاة الواقع،وإنما ينطلق منه ويتجاوزه لإنشاء علاقات جديدة مرتبطة بعالم الشاعر،وفي هذه المرحلة يصبح الشعر أكثر صفاء وتجريدا،لأنه يقدم صورا حسية توحي بما هو معنوي.وهو بذلك عندما ينطلق من الواقع يرتبط بالذات فتنهار المعالم المادية وتنهض على أنقاضها علاقات جديدة مرتبطة بالرؤية الذاتية للشاعر. والرمز كخيار جمالي وكتقنية فنية لايقحمه الشاعر مباشرة في القصيدة بشكل اعتباطي،ولكن يدمجه بطريقة مدروسة ،فهو يأتي من اللاوعي و يفرض نفسه على الشاعر. ويختلف الرمز في الشعر المغربي المعاصر من شاعر لآخر حسب الرؤية الشعرية،وحسب اختلاف الثقافات و المذاهب الشعرية و المرجعيات الأيديولوجية. و أهم المصادر التي يستقي منها الشاعر رموزه نذكر،الرموز الموجودة سلفا في المشهد الثقافي والتراث الإنساني كتوظيف الأساطير و التراث الشعبي و الديني....ويعمل على توظيف هذه الرموز في ضوء الواقع الشعري المعاصر،وليس من باب تقديس هذا التراث،فالشخصيات الرمزية سواء أكانت تاريخية أم أسطورية يخضعها الشاعر لمنطق السياق الشعري،و للتجربة الشعورية التي تتيح لهذه الشخصيات الرمزية دلالات متعددة بتعدد الرؤى.
عزيزة الرحموني
ما موقع المرأة في الكتابة الإبداعية كتيمة ؟ كيف تُوظف صورتها ؟هل يعكس هذا التوظيف نظرة الرجل العربي إلى المرأة ؟
محمد يوب
إن ذاكرة المرأة ومخزونها الثقافي مازلت محاطة بالعديد من الإنشاءات الثقافية والسياقات التقليدية الضاغطة التي تجعلها غير قادرة على التعبير عننفسها بلغة نسائية، وذلك بسبب سيطرة الفكر الذكوري المهيمن على الثقافة في مجتمعاتنا، هذا الفكر الذي أصبح قناعة مهيمنة في المشهد الثقافي العربي عامة،وعندما عبرت المرأة عن نفسها أدبا وضعت يدها على الجرح الغائر التي تعيشه المرأة. إن اللغة المتداولة والمكتوبة والمبثوثة في حركات الجسد، مازالت تحمل علامات الذكر الذي رسخ فيها معطيات مذكرة، مع إقصاء عالم المرأة على المستوى التعبيرالكتابي والشفوي(عندي موقف رجولي)، وتكمن إحدى إشكالات اللغة في أنها توجد ضمن أعمدة ثقافة المذكر من حيث إنه يعتبرها طريقته الفضلى للتموضع في بؤرة كل نقاش نظري أو فكري، كما تعتبر أحد أهم أدوات هذه الثقافة للاستمرار وإعادة إنتاج ذاتها، وهذا الإحساس بذكورة اللغة مستنتج من الإحساس بذكورة الثقافة التي تعتبر مجالا حيويا وطبيعيا لهيمنة النظام الأبوي، ولهذا لم تستطع المرأة إلا أن تبادل اللغة بالجسد، فحتى وإن شاركت مع الرجل في التعبير العادي، فهي تتفوق عليه في تعبيرات الجسد، فاللغة المباشرة للجسد تعتبر إحدى أسلحة المرأة للدفاع عن وجودها المباشر أمام سلطة المؤسسة اللغوية السائدة، وضد الذوبان والانصهار المعلن والخفي في صف الذكورة. فيقابل احتفاء المرأة بجسدها ولغاته، احتفالية الرجل بفحولته التي يعبر من خلالها عن كينونته وتفوقه في مدارج السلطة المعرفية والثقافية.
عزيزة الرحموني
ما الثابت و المتحول في الإبداع العربي الراهن ؟
محمد يوب
إن المشهد الثقافي العربي مع الأسف ما زال يعيش مرحلة التجريب،مازال يبحث عن الهوية ،فمرة يعود إلى الماضي ليحفر عميقا في التراث العربي القديم وفي عودته إلى الماضي تأثر بالثابت الذي لم يعد مواكبا لظروف العصر،ولم يعد مساسرا للمستجدات اليومية التي تعرفها الانسانية،وعندما يرد المثقف العربي الاستفادة من الغرب فإن الفكر الغربي لا يمكن فصله عن الأيديولوجية،وفي الرجوع إلى الماضي و الانغماس في ثقافة الغرب يبقى المثقف العربي تائها يبحث عن ذاته.وتبقى الاشكالية قائما كيف تقدم الأخر وتخلفنا نحن،ويبقى الآخر و النحن هي عقدة الانسان العربي.
مودة لن تشيخ أبدا محمد يوب

تعليقات
إرسال تعليق
شكرا لحضورك واهتمامك