من أجل قصة قصيرة جدا ترقى بذائقة المتلقي




من أجل قصة قصيرة جدا ترقى بذائقة المتلقي
عندما نتحدث عن القصة القصيرة جدا فإننا نتحدث عن جنس أدبي مستقل بذاته له شروطه ومقوماته التي ينمو وينهض عليها،لقد كثر الحديث عنها في الملتقيات وعلى صفحات الجرائد و المنتديات وأصبح لها مؤيدون ومعارضون،لأن كل جديد يرفضه الجسم في أول مرة فيحتاج إلى وقت طويل لكي يتعود عليه المشهد الثقافي.
فالقصة القصيرة جدا استفزت كثيرا من الكتاب وحركت أقلام الصحفيين وأسالت مدادا كثيرا سواء في مدحها أو في ذمها،فهناك من شمر على ساعديه وكشر عن أنيابه ضدا في من يكتب فيها وضدا في الكتابات القصصية القصيرة جدا على اعتبار أنها مطية سهلة يطؤها كل مبتدئ في مجال الكتابة،وأنها مدعاة للاستهزاء بالقصة و بتقنياتها.
حقيقة لا ننكر ان القصة القصيرة جدا تعرضت لللاستسهال و الميوعة من طرف بعض المتطفلين على الابداع الأدبي،مثل كثير من الكتابات الضعيفة و المبتدلة التي نقرؤها على صفحات المنتديات و نسمعها في اللقاءات و المهرجانات الثقافية الشئ الذي يثير حفيظة المهتمين بالابداع الجميل ويستفزهم إلى درجة الامتعاض.
لكن في اعتقادي إن القصة القصيرة جدا لها ما لها من جمالية ترقى بها إلى مصاف الكتابات الراقية شريطة الالتزام بتقنية السرد القصصي القصير جدا،شريطة الاشتغال عليها بما تتطلبه القصة القصيرة جدا من حرفية عالية ومن الدقة في اختيار الألفاظ المناسبة للمقطع القصصي القصير جدا.
فالقصة القصيرة جدا تلبي حاجة القارئ المعاصر الذي يريد معرفة الخبر في حينه، يريد معرفة الخبر العاجل،إن ظروف العصر تفرض عليه الاستعجال،تفرض عليه معرفة الخبر عاجلا وإلا أصبح الخبر في خبر كان،فكما أن الانسان يبحث عن الوجبة السريعة وعن الشقة الصغيرة فإنه يبحث عن الفلم القصير و عن الرواية القصيرة وعن القصة القصيرة جدا.....
لكن ما يبغي الاشارة إليه هو أننا كمثقفين لا ينبغي علينا أن نضع كل ما أنتج في مجال القصة القصيرة جدا في سلة واحدة،ففيها الجيد وفيها الردئ،وما علينا إلا أن ننوه بالجميل ونترك القبيح،فالزمن كفيل بأن يغربل وينخل هذه الأعمال القصصية،لأننا عندما نعود إلى الماضي وإلى الصراعات الثقافية التي أفرزها الأجناس الأدبية المستحدثة نجد أنها تكون محتدمة وشديدة،وهذا الصراع هو إيجابي يحرك ويخلخل الماء الراكد،ويساعد على تثوير وتأزيم المشهد الثقافي الشئ الذي يساعد على ابتكار الجديد.
جميل أن نكتب وأن نفسح المجال للأدباء و المبدعين لكي يعبروا عما في داخلهم من غبن وظلم مارسه ديناصورات الثقافة ببلادنا،جميل أن نفسح لهم المجال لكي يعبروا عن آرائهم،وعن امتعاضهم مما يجري من تمييز عنصري ثقافي نستدعي فلان ولا نستدعي علان في اللقاءات الثقافية التي انتشرت بشكل ملفت كالفطر،مهرجانات التي لها قيمة إشهارية أكثر منها قيمة معرفية ذات مضمون فكري ومعرفي.
غير أننا عندما نريد مناقشة عمل من الأعمال الأدبية ينبغي أن نناقشه من زاوية ثقافية محترمة تحافظ على أخلاقيات النقاش وتحترم الرأي و الرأي الآخر،لأن كل من يناقش هو في الحقيقة حر شريطة أن لا يضر الآخرين بكلام جارح يصل إلى درجة استعمال ألفاظ نابية تسئ إلى المشهد الثقافي وتسئ إلينا كمثقفين مسؤولين عما نتلفظ به أمام الله تعالى أولا وأمام الأجيال القادمة التي ستقرؤ لنا أرشيفاتنا،فعندما نريد مناقشة منتوج جديد لابد من إعطائه فرصة التعبير عن نفسه،لابد من مناقشته من خلال تراكمات كثيرة وليس من خلال عمل أو اثنين.

تعليقات