تدخل رواية " ثلاثية حلم مدينة" في شقها الأول المعنون بالشلة ضمن تيار الوعي، الذي يعبر عن الالتزام بالتعبير عن الواقع المعيش، المشوب بحالة من القلق والسؤال حول وضعيات الفئات الاجتماعية المقهورة من العمال والطلبة والعاطلين؛ والمصطفى ساسي من الأدباء الذين التزموا بالأدب كحياة وقلق، يعبر من خلاله عن الوعي الشقي، الذي يغلي في أحشائه، ثم اختمر وترجمه ابداعا من خلال هذه الرواية.
إن المصطفى ساسي وجيل من الكتاب المغاربة ألزموا أنفسهم حقيقة بتعرية الواقع الاجتماعي، والكتابة عن الناس البسطاء، أولئك الذين شغلهم الهم اليومي عن القضايا الكبرى.
فالرواية عبارة عن ساحة فكرية تطرح فيها الآراء المعبرة عن رأي الكاتب بالدرجة الأولى. نراه يسير الشخصيات من الداخل من خلال زاوية الرؤية من الخلف، حيث يتحكم في شخصياته من الداخل ومن الخارج، ويدفعها إلى تأدية الأدوار المنوطة بها وكأنهم ممثلون.
الشخصيات الروائية:
الشخصيات في أي عمل روائي هي العنصر الفعال والمحرك للأحداث، والمساعد على تنامي النص السردي، وإدا ما نظرنا إلى شخصيات هذه الرواية نجد بأنها قريبة من الواقع، مما يعطيها عمقا واتساعا، لأن الكاتب استطاع الوقوف على كل جوانبها الاسم – اللقب –العيوب الخارجية-الاضطرابات النفسية.
وشخصيات الرواية هي " الشلة" أو الجماعة، وهم جماعة من الأصدقاء توحد بينهم هموم الحياة، وتجمعهم المقهى لمناقشة قضايا اجتماعية وسياسية....منهم النقابي ومنهم الطالب ومنهم العاطل، كل واحد من هذه الشلة له رؤاه وطموحاته، التي يبلورها من خلال مجموعة من وسائل النضال:
-النضال النقابي (الاضطراب في الحي الصناعي)
-النضال الطلابي في الحي الجامعي، وتعرض هؤلاء الشبان للاعتقالات والمضايقات.
فشخصيات الرواية هي شخصيات حداثية، عندها نضج ووعي بما يجري في المجتمع، وشخصيات قلقة تتحرك في فضاء الرواية بحرية، مؤمنة بما تحمل من أفكار، بما في ذلك الشخصيات الثانوية، التي تساعد الشخصيات الرئيسية على إنجاز الفعل، مثل شخصية أم عمر (يامنة) وأبوه (يوشعيب).
البناء الروائي:
في الرواية الجديدة أصبحنا نتحدث عن الخطاب ( Discour ) -جيرار جنيت-بدل الحديث عن القصة ( Histoire)، وعندما نتناول (حلم المدينة) كخطاب ينبغي أن نتطرق إلى الطريقة التي بنى بها الكاتب أحداث الرواية. فالكاتب لم يخضع للتجريب بل اكتفى بسرد الأحداث بطريقة تراتبية، تنمو فيها الأحداث وتنهض بشكل اطرادي منتظم، فهي مكونة من خمسة فصول، كل فصل يؤدي بالقارئ إلى الفصل الذي يليه، وهذه الفصول تبدوا منفصلة لكنها تلتقي وتجتمع من خلال الخيط الناظم، الذي يخترق الرواية من أولها إلى آخرها؛ والخيط الناظم هو قلق الشخصيات المؤثثة لفضاء الرواية، ورغبتها في تغيير الواقع والاستفادة من خيرات البلد، التي يرمز إليها بماء البئر، والذي يرمز بدوره إلى الخصب والخير والنماء.
إن الرواية، كما يبدو، بنيت بطريقة تقليدية بعيدة عن التجريب، الذي يؤمن بالغموض والعبث السردي، فالرواية (حلم مدينة) منسجمة ومنظمة ومرتبة ترتيبا منطقيا، وكأنها متوالية سردية، فيها وضعية البدء، ثم وضعية التحول، ثم الوضعية النهائية التي كانت متأزمة ومتوترة حيث انتهت الشلة نهاية مأساوية، كل واحد في قبو.
فالأديب يؤمن بأن الرواية التزام أخلاقي وأدبي ينبغي أن تبقى قريبة من الواقع ومعبرة عن عامة الناس لأنها لسان من لا لسان له؛ فالروائي ينوب عن الناس، وينقل همومهم ويشاركهم حياتهم ومشاغلهم.
فالروائي ينقل حياة عمر ومعاناته ونهايته المأساوية، كما ينقل نفسية مراد المنهارة، التي دفعته إلى الانتحار، بأن رمى بنفسه من الطابق الثالث.
الفضاء الروائي:
الفضاء الروائي مكون أساسي من مكونات السرد الروائي، له أهميته في بناء الرواية، ويساهم في بلورة زاوية الرؤية، وهو في هذه الرواية ذو أبعاد مختلفة، فيها الاجتماعي والأدبي والهندسي.
ويغلب الفضاء المفتوح على الرواية على الرواية لأن أغلب الأحداث جرت في الخارج، في الشارع وفي الساحات العمومية، لذلك لم يتم التركيز على شخصية روائية بعينها، وإنما تمت الإشارة إلى شخصيات كثيرة ومتنوعة، بما في ذلك الشخصيات الثانوية، ولذلك غلبت الؤية من الخلف، لأنها رؤية عامو وشاملة.
الأستاذ محمد يوب
