لم يعد أحد يحتفي بالقصة القصيرة. قلة باتت تهتم بالسرد أصلا. هل يحتفي أحد بالكتاب نفسه؟
في حقب تمتد من الستينيات وحتى التسعينيات، كانت القصة القصيرة تخلق "الأضواء" و"النجومية". كان كتاب القصة القصيرة نجوماً بالفعل.
هذا الجنس الأدبي هو الذي خلق هالة لكتاب مثل عبدالجبار السحيمي، وإبراهيم بوعلو، وإدريس الخوري، ومحمد شكري، ومحمد زفزاف، ومبارك الدريبي، ومحمد الهرادي. كان الروائيون يضعون جانباً أعمالهم الروائية ليكتبون "القصة القصيرة"، وقتها كانت علامة التميز والتفرد والانتشار.
الآن لا شيء سوى "الكساد".
من يكتب قصة قصيرة، يكتب في أغلب الوقت لنفسه كما يقول المهتمون.
لا أحد يبحث عن "مجموعة قصصية" على أرفف الكتب في المكتبات. إذ الكتاب نفسه يعاني.
ما بين واحد إلى اثنين في المائة فقط في المغرب يقرؤون، كما أشار التقرير الصادم الذي نشرته المندوبية السامية للتخطيط، كم يا ترى نصيب القصة القصيرة من هذه النسبة المخجلة؟ القصاصون هم ضمير المجتمع. كيف أصبح المجتمع بدون ضمير؟ سؤال موجع، لكن في السؤال نفسه تكمن الإجابة. في هذا الملف نحاول أن نجد إجابة عن سبب "اندثار" القصة القصيرة.
< ماذا يعني "قصاص" بالنسبة لك ..هل تجد تعريفاً جامعاً؟
> القاص كائن بشري شديد الحساسية تجاه محيطه الخارجي، يتفاعل مع تفاصيل الواقع وينقلها من واقع الواقع إلى الواقع المتخيل ليكتبها أدبا يستمتع به القارئ.
< عندما نقول "القصة القصيرة" ما هو الانطباع الذي تتركه هاتان الكلمتان؟
> القصة القصيرة كلفظة تنقسم إلى شطرين؛ القصة وتعني النوع الأدبي، والقصيرة تعني الشكل. والقصة القصيرة بشكل عام هي الصوت المنفرد على رأي "فرانك أوكونور"، أو صوت من لا صوت له؛ من خلالها نتمكن من أن نرى ذواتنا فيها؛ تحكي ما نشعر به ولم نستطع التعبير عنه.
< كيف هو حال السرد في المغرب من وجهة نظرك؟
> هناك وعي حقيقي بفعل الكتابة السردية بدأ ينتشر في المشهد الثقافي، وهذا راجع إلى الدور الكبير الذي يقوم به النقد الأدبي على اعتبار أنه مساير ومتابع لكتاب القصة المغاربة، وخاصة الشباب منهم.
< مرت القصة بعدة مراحل من القصة الطويلة إلى القصيرة ثم الأقصوصة، وأخيرا الومضة القصصية، كيف ترى هذا الأمر؟
> إن مستجدات العصر السوسيوثقافية هي التي ساهمت في تنوع أشكال التعبير السردية من الكتابة الملحمية التي تحكي أحداث قومية، إلى الرواية التي كان البطل فيها إنسانا اجتماعيا يعبر عن هموم المجتمع، إلى القصة القصيرة التي تعبر عن هموم المبدع الخاصة التي هي في نفس الوقت هموم القراء؛ إلى القصة القصيرة جدا وأشكال أخرى موجزة تطلبتها ظروف الإنسان المعاصرة، حيث أصبح القارئ في حاجة ملحة لكل ما هو صغير: الشقة الصغيرة، والسيارة الصغيرة، والوجبة السريعة، والرغبة في معرفة نهاية الحكاية قبل أن ينام.
< القارئ يتجه نحو الرواية أكثر من المجموعات القصصية، أو الدواوين الشعرية، كيف تفسر هذه الظاهرة؟
> لا يمكننا الحسم في هذا الطرح؛ فأذواق الناس في القراءة متنوعة ومختلفة حسب ميولاتهم وحسب اهتماماتهم ؛هناك من يحب الشعر، وهناك من يحب الرواية، وهناك من يحب القصة القصيرة والقصيرة جدا، وهناك من يفضل السرد الفيلمي الذي صرنا نعتقد أن السينما ماتت في زحمة الحياة، حيث إن السينما قد دخلت بيوت الناس عبر الفضائيات ؛غير أن القارئ في ضوء ضيق الحياة وصعوبتها بدأ يختار كل ما هو قصير، حيث بدأ يبحث عن الرواية القصيرة، والقصة القصيرة، والقصة القصيرة جدا.
< هل تعتقد أن للملتقيات الأدبية دوراً في تطوير القصة أم أنها مجرد مناسبات للعلاقات العامة والاجتماعية؟
> الأصل في الملتقيات الثقافية أنها جاءت من أجل الرفع من المستوى الإبداعي عند الكتاب المغاربة؛ وذلك بتبادل الخبرات في مجال الكتابة وفي مجال التنظير؛ غير أن هناك كثيرا من اللقاءات التي خرجت عن هذا المسار وباتت فرجوية؛ وفرصة للقاءات الجانبية التي تسيء للثقافة.
< إلى أي مدى نجح الناقد المغربي في ترقية التجربة القصصية، وما مدى تأثيره فيها؟
> النقد توجيه ومواكبة لأعمال الأدباء ومسايرة للحراك الأدبي الراقي؛ ينبغي على الناقد أن يكون مطلعا على كل المناهج النقدية تطبيقا وتنظيرا؛ غير أنه ينبغي عليه أن لا يطبق هذه المناهج النقدية على النصوص الإبداعية بشكل تعسفي؛ لكي لا يكون ظالما لها مجحفا في حقها؛ وفي نفس الوقت لا ينبغي عليه أن يكون مجاملا يحابي نصوصا دون أخرى، سيأتي زمان ويكشف مدى هذه الشللية وهذه المحاباة.
< ثمة عدد من المسابقات القصصية هل يجد فيها القاص جدوى وإضافة؟
> المسابقات مفيدة إذا ابتعدت عن الصداقة وعن المحاباة؛ أما إذا كانت تعتمد على مقياس القرابة والزمالة فإن ذلك يسيء للإبداع عموما.
< لماذا لا يهتم الكاتب والقاص المغربي بالفضاءات المكانية، كما هو الشأن لقصاصين وروائيين عرب وأجانب؟
> في اعتقادي لا يمكن لأي عمل سردي أن يستقيم دون تفضية مكانية أو زمانية لأن فيهما تجري الأحداث القصصية؛ بل أصبحا مكونين أساسيين من مكونات القصة أو الرواية لأنهما ملحا الكتابة السردية.
< البعض يقول إن القاصات المغربيات تتسم أعمالهن بالغموض والسريالية، ما مدى دقة هذا التوصيف؟
> الغموض صفة في الإبداع لا يخص الذكر أو الأنثى؛ بل أكثر من هذا، لا يمكننا الفصل في الكتابة الأدبية بين إبداع ذكوري وإبداع أنثوي؛ ما يميز الأول على الثاني هو قدرة المبدع على فتح آفاق في عتمة الظلام من خلال حمولة المبدع الثقافية، وبحسب قدرته على ترك مجموعة من الفراغات يملؤها القارئ المفترض.
-----------------
محمد يوب
ناقد أدبي. عضو اتحاد كتاب المغرب.
صدر له: "حين تستريح الخيول" (مجموعة قصصية)، و"الجبل الأبيض" (رواية)، و"في معرفة القصة المغربية المعاصرة"، و"صناعة المعنى: قراءات في الرواية العربية المعاصرة"، و"مضمرات القصة القصيرة جدا".
قيد الطبع: "القصة القصيرة جدا؛ الخروج عن الإطار".
