صدى سيرة ذاتية 22


في سنة 1976 كانت فرحتي لا توصف بالمستوى الراقي الذي قدمه الفريق المغربي في نهائيات كأس إفريقيا بإثيوبيا؛ وبالهدف القاتل ضد غينيا الذي سجله (بابا)؛ وازدادت فرحتي عندما انتقلت أسرتي إلى حي الإنارة؛ كان يبدو كقرية معزولة أصابها الجذام لا دكاكين بها ولا مدارس يتعلم فيها التلاميذ؛ لا نعرف عن العالم الخارجي شيئا إلا من خلال ما تجود به أخبار التاسعة بتلفزيون ( إتم ) بالرباط؛ أعود إلى البيت مسرعا لأتابع برنامج عمي ادريس؛ وكنت وما زلت عاشقا للكتاب؛ مغرما برائحة الورق؛ أشعر بمتعة عندما أرى غلافه وألمس صفحاته؛ كنت ميالا لقراءة الرواية؛ حيث التهمت أعمال دوستويفسكي بترجمة سامي الدروبي بالرغم من هناتها؛ وكتابات نجيب محفوظ؛ ومازالت رواية جيل الظمأ لمحمد عزيز الحبابي؛ ذات البعد الوجودي الباحث عن إكسير الحياة راسخة في ذاكرتي...وكنت أملك حاسة نقدية مفرطة في الحساسية؛ حيث إنني كنت أتتبع تفاصيل وجزئيات العمل السردي؛ مبديا بعض الملاحظات التي أسجلها على هامش الرواية؛ وعندما لا تتاح لي فرصة شراء الكتاب؛ أبقى أتحرق طيلة اليوم؛ وفي الصباح أستقل الحافلة رقم أربعة متوجها إلى الخزانة البلدية بشارع الجيش الملكي؛ أستعير كتابا؛ مجلدا؛ أنيقا في مظهره؛ وعندما أفتحه أسمع أنينه وشكواه؛ لأن أصابع الغدر الآثمة قد بعثرت أوراقه؛ ومزقت أحشاءه؛ فأبيت الليل ألعن من قام بهذا الجرم الشنيع .
محمد يوب

تعليقات