نجد كلمة أدب كاسم جنس تشتمل على دعائم ثلاث هي: النتاج الأدبي ثم النقد
الأدبي و التاريخ الأدبي؛ والترتيب لا يعد اعتباطيا بل مقصودا؛ لأن الناقد هو
أكسيد التفاعل بين المبدع والمتلقي؛ وبدون الناقد لم نجد أدبا؛ بل سيكون أدب
الأدراج المغلقة؛ فالناقد هو الذي يصوغ الأدب ويقربه من المتلقين.
نقصد بالأدب
جانبه الإبداعي الخالص الذي يصدر عن الأديب؛ لأن هذا الأخير يتتبع الواقع ويتأثر
به فيعبر عما أحس به بلغة خاصة تسمى اللغة الأدبية أو شعرية العمل الأدبي حسب
تعبير "رومان جاكبسون". وفي درجة ثانية يأتي النقد باعتباره لصيقا
بالأدب؛ لأن النقد ينبني على الأدب؛ حيث يبدأ النقد وظيفته بعد الفراغ من إنشاء
الأدب، فالنقد يفرض أن الأدب قد وجد فعلا ثم يتقدم لفهمه و تفسيره و تحليله و
تقديره، و الحكم عليه بهذه الملكة التي تكون لملاحظاتها قيمة و أثر في النص و القارئ
و المبدع. [1]
و من الناحية
التاريخية نرى أن الأدب أسبق إلى الوجود من النقد، وهذا يعني أن الشاعر الأول قد
سبق إلى الوجود؛ الناقد الأول، أيّا كانت طبيعة هذا النقد من انطباعية تأثرية أو
علمية دقيقة.
إن الأدب يتصل
بالطبيعة اتصالا مباشرا،على حين يراها النقد من خلال الأعمال الأدبية التي ينقدها؛
ثم إن الأدب ذاتي من حيث إنه تعبير عما يحسه الأديب و عما يجيش في صدره من فكرة أو
خاطرة أو عاطفة؛ أما النقد فذاتي موضوعي: فهو ذاتي من حيث تأثره بثقافة الناقد و
ذوقه و مزاجه ووجهة نظره؛ و هو موضوعي من جهة أنه مقيد بنظريات وأصول علمية[2].
ورولان بارث عندما عرف النقد قال إنه خطاب على خطاب آخر؛ يؤدي إلى صيغة تكاملية واتحادية للممارستين
الأدبية و النقدية؛ ويقول سمير منير عامر:" مجال الإبداع ومجال النقد يكادان
أن يكتملا؛ بل لا نغالي إن قلنا يتوحدان؛ واضعين في اعتبارنا كون العمل الأدبي
صياغة لغوية بفعل ذات شاعرية؛ و النقد الأدبي إن هو إلا صياغة حول
الصياغة الأولى؛ قادرة على إعادة تنظيم الإمساك بخيوط العمل الأدبي من
جديد..."[3]؛
ويحدد زكي نجيب محمود العلاقة بين الأدب و النقد في كونهما علاقة بين الكاتب و
القارئ[4]
وما يطلب في النقد من شروط يطلب في الأدب من ضرورة إحكام النقاد والأدباء لأنواع
المعارف ومختلف مشارب الثقافة[5]
وهناك بعض الباحثين الذين يردمون الهوة بين النقد و الأدب؛ ويزيلون كل
أشكال التفريق بينهما؛ ويعتبرون الممارسة النقدية على الأدب هي نقد للنقد الذي هو
الأدب؛ يقول روز غريب: "إن الفن نفسه نقد غير مباشر للحياة و الطبيعة؛ نظرة
فاحصة عميقة يجري التعبير عنها في قالب قصة أو شعر أو رسم أو موسيقى؛ و الأدب
تعبير عن شعور أو فكرة أو تجربة مستلهمة من الآثار الأدبية أو الفنية؛ فهو معادل
لنقد النقد"[6]
وهناك بعض الباحثين من يقول بضرورة الفصل بين النقد و الأدب على
اعتبار أن كل واحد منهما مستقل بذاته وله شروطه الذاتية والموضوعية لإنتاجه؛
فالنقد ليس الأدب؛ حيث إن هدف النقد هو المعرفة؛ وهو لا يخلق عالما خياليا كعالم
الشعراء أو الموسيقا؛ بل هو معرفة فكرية أو يهدف إلى التوصل إلى تلك المعرفة؛ و
السبب في ذلك هو أن النقد يعتمد مناهج العلوم الطبيعية ويضفي الطابع العلمي إلى
دراساته.
ويعتبر التعبير الذي أعطي للأدب و الذي هو نقد الحياة؛ هو الذي كان
وراء إعادة صياغة تعريف النقد؛ الذي يغدو نقدا للنقد؛ ومن هنا تتحدد الوظيفة بين الأدب
والنقد؛ أو يتم نقل المعنى الاصطلاحي للنقد إلى الأدب. ويعبر بارث بوضوح عن هذا
الاتحاد الذي يرجح كفة النقد؛ ويظهر فيه الأدب منجزا لنفس العمل الذي يقوم به
النقد؛ لكن باختلاف المادة المنتقدة طبعا.
والأدب والنقد مشروطان باحترام مبدأ الالتزام يقول بارث: "الكتاب
عالم؛ و النقد يجرب أمام الكتاب نفس شروط القول التي يجربها الكاتب أمام العالم؛
هنا نصل إلى الالتزام الثالث للنقد"[7]
وفي المقابل تغيب الوظيفة النقدية في المكونين: أدب ونقد عند بعض
الدارسين؛ وتبرز الوظيفة الأدبية؛ ويصبح النقد لونا من ألوان الأدب "النقد
عندي لون من ألوان الأدب؛ فن مبدع مستقل كالشعر و القصة؛ وفن سيد ليس بأجير ولا
غاية له؛ سوى الغاية التي ينتهي إليها كل فن آخر"[8]
و الأدب هنا بمعناه الخاص؛ باعتباره بوتقة من الفنون وألوان الإبداع؛ ويلتقي النقد
معها في الجانب الإبداعي و الفني.
و النقد الذي يعتبره روني ويليك جيدا هو معرفة فكرية أو طموح إلى التوصل
إليها؛ ويوافق فراي في قوله:( إن النقد بنيان من الفكر و المعرفة له وجوده الخاص)[9]
إن الإلحاح على الفصل بين النقد و الإبداع الأدبي يستند إلى رؤية
منهجية تصنيفية تراعي حدود كل ممارسة لغوية مشروطة بخصائص لازمة؛ إنه فصل بين
ذاتية الأدب وموضوعية النقد؛ في حين يستند القائلون بنقدية الأدب أو أدبية النقد
في بعده الفني و الإبداعي إلى الحضور الذاتي و الموضوعي في الممارستين معا؛ لأن
الناقد ( فنان في رهافة حسه وحسن تذوقه؛ عالم في موضوعيته وصدقه وتجرده)[10]
كما أن توظيف النقد لمصطلحات و مفاهيم بعيدة عن دائرة الأدب بحيث تكون
مستقاة من حقول معرفية أوعلمية مفارقة؛ يحاول بها الناقد مقاربة الأدب؛ يبدو أمرا
مستهجنا عند الأديب وسببا في هجومه على الناقد؛ لأنه لا يستسيغ أن يحوز الأدب
مقولات فلسفية أو معرفية متمظهرة في شكل إبداعي. كما أن فهم الإبداع الأدبي من طرف
الناقد لن ينجح فيه لأنه لم يعان عملية ولادته.

تعليقات
إرسال تعليق
شكرا لحضورك واهتمامك