مجتمع القارة العنكبوتية

إن مفهوم الهُوية مفهوم مستعصٍ باعتباره مفهوماً متحركا وفي حالة بناء دائم؛ ويقصد بالهوية في المعاجم العربية إحساس الفرد بنفسه وفرديّته وحفاظه على تكامله وقيمته وسلوكيَّاته وأفكاره في مختلف المواقف؛ و المقصود بها في الاصطلاح الفلسفي حقيقةُ الشيءِ أَو الشخص التي تميزه عن غيره؛ واعتبرها الفيلسوف اليوناني أرسطو بأنها من مبادئ الفكر الانساني الثلاثة وهي: مبدأ الهوية ومبدأ عدم التناقض ومبدأ الثالث المرفوع.
و الهوية هويات منها الشخصية و الاجتماعية و الثقافية... وهي عموما نظام من القيم والتصورات والتمثلات التي يتميزبها مجتمع ما تبعا لخصوصياته التاريخية والحضارية؛ تتطور باستمرار وتتأثر سلبا وإيجابا بالهويات المحاورة والمجاورة. ويقترن وجودنا التاريخي والجغرافي بهويتنا التي تحدد خصوصيتنا الثقافية وانتماءاتنا.
وفي مطلع هذا القرن بدأت الهوية العربية والاسلامية تتأثر بفعل اكتشاف القارة الجديدة المشيدة في العالم الافتراضي والتي بدأت تجرد التجمعات الاجتماعية من الدفء الاجتماعي؛ وتختصر المسافات وتلغي الأحاسيس وتعوضها بأحاسيس مصطنعة.
ويبدو أن الثورة السيبيرنيتية هي تقليعة جديدة تختلف عن الثورة الصناعية التي استعمرت الإنسان وفرضت إيقاعا مسرعا للعمل وسلمت العلاقات الاجتماعية لسلطة المصالح الاقتصادية؛ حيث جعلت منه إنسانا وظيفيا يقدم مهامه كآلة بدون إحساس وقد عبر عن هذه الحالة شارلي شبلان في فلمهِ (الأزمنة المعاصرة).
إن هذه الثورة الجديدة استفردت بالإنسان heperindiviualiste وحاولت إعادة تركيبه من حين لآخر حسب طلبات الدوامة العنكبوتية؛ وبدأت تهدد التجمعات البشرية وتعزلهم عن غنى الواقع الملموس؛ وثراء التماس والتفاعل مع الحياة الحقيقية اليومية؛ كما تبعدهم عن معانقة الأفكار المتجسدة في أشخاص يسبحون في نسيج الوقائع الحية.
إنه مجتمع سيبرنيتي؛ أنتجته ظروف العالم المعاصر الذي اندثرت بمقتضاه الخصوصيات الثقافية؛ بل أصبحت الثقافات الوطنية تنصهر في ثقافة العولمة بهدف ترسيخ نمط ثقافي معولم؛ تهيمن فيه الدول الغربية الأكثر تصنعا؛ بمعنى أنه مجتمع يتطلع إلى أفق اقتصادي سياسي تكنولوجي حضاري ثقافي تربوي تذوب فيه الحدود بين الدول.
محمد يوب

تعليقات