تقديم مجموعة قصصية للقاص كريم قيشوري




إن القصة القصيرة جدا من أصعب أنواع المتون السردية على الإطلاق لأنها ليست مجرد حدث لحظي يعجب الكاتب فينقله أدبا؛ وإنما هي استراتيجية نصية لها منطلقاتها النظرية ورهاناتها الإبداعية؛ ولها تقنياتها الفنية والجمالية؛ ولابد للمهتم بهذا الشكل التعبيري المشاغب أن يمارس طويلا حتى يثبت يراعه في طريقها.


و(كريم القيشوري) واحد من عشاق السرد القصصي القصير جدا؛ وهوالمبحر في مساحات الحرف ودهاليز المعنى واختصارات الدلالة؛ كاتب متميز الإبداع كميا وكيفيا؛ كتاباته ذات حمولة معرفية رفيعة ترفدها ثقافته العميقة وقراءاته الواسعة في غابة السرد؛ كاتب نشيط متابع للمشهد الثقافي المغربي...في كل خطوة يخطوها في عالم السرد القصصي القصير جدا؛ لابد وأن نقع على جديد ومبتكر ومغاير...وما قرأته في هذه المجموعة القصصية ليس إلا نوعا من التأسيس لبناء كاتب مميز...

وتعتبر المجموعة القصصية تحت المسمى قيد كتابتها ب(....) من أبرز المجاميع القصصية القصيرة جدا؛ التي تجمع بين الميكروفني والماكروسوسيوثقافي؛ استطاعت تسجيل أحداث راهنة بعين الأديب الذي يستقي تفاصيل الواقع من المتخيل الأدبي المغسول بشعرية الأدب ...كما أنها تحترم تقنيات السرد االقصصي القصير جدا؛ بلغتها المكثفة والمضمرة المحفزة على تعددية القراءة...وبطريقة سردها التلاحمي الذي يدفع القارئ إلى المغامرة في لعبة السرد بملء الفراغات والبياضات بما يناسب من القراءات من التأويلات.
 وفي اعتقادي إن النص الذي لا يستفز قارئه هو نص باهث لا لون له؛ وبارد لا حياة  فيه؛ وتقنية السرد التي اعتمدها الكاتب كريم القيشوري جعلت هذه النصوص القصصية القصيرة جدا أكثر حيوية وأكثر تمردا على ماكينة السرد؛ لما للكاتب من قدرة على تتبع فسيفساء الواقع ونقلها بعين القاص المجرب من واقعها الواقعي إلى الواقع المتخيل المليء بالخدع السردية التي تليق بالقصة القصيرة جدا.
وهذه المجموعة التي هي اليوم تحت مجهر النقد؛ ترفض الأسر؛ وترفض أن تجعل من نفسها مجرد خطاب قصصي قصير جدا؛ يأخذ شهادة ميلاد جديدة؛ مأسور لمقاسات وقوانين محددة سلفا يفرضها هذا الشكل التعبيري القصير جدا..وإنما هي علامة مميزة تصبح معها الكتابة اكثر سموا وشمولا يتحول بها ومعها الفعل الكتابي الى ما يشبه القدرة التي تقودنا الى معرفة حقيقة الانسان وكينونته...معرفة حقيقة الانسان عن قرب وكما أننا لا نعرفه حق المعرفة؛ ومن هذا المنظور تصبح الكتابة القصصية القصيرة جدا على يد الأديب كريم القيشوري كتابة ذات بعد رؤيوي فيه حمولة فكرية واجتماعية بلغة أدبية تأخذ لب القارئ إلى عوالمها المتخيلة.
وحتى لا أحرق هذه العوالم المتخيلة؛ أترك للقارئ العربي فرصة السياحة في العوالم الممكنة وغير الممكنة لهذه المجموعة القصصية القصيرة جدا؛ مع متمنياتي بمزيد من التألق للقاص كريم القيشوري في عالم السرد القصصي القصير جدا...
محمد يوب
ناقد أدبي

تعليقات