عرفت القصة القصيرة في العقود الأخيرة تغيرات كثيرة؛
أحدثت مخاضا تخلص على أثره القاص العربي من الاندهاش بكل صرعة جديدة قادمة من
الغرب؛ كما تخلص من التقليد والاتباع للموروث القديم؛ وبدأ يخوض غمار التجريب
والتجديد؛ موظفا حمولته الثقافية ومعارفه الواسعة في مجالات معرفية مختلفة منها
النفسي والاجتماعي والأنترولوجي...
والقاصة (ميادة قداح) من هذا الرعيل الجديد الذي
استفاد من التجريب القصصي في العالم العربي؛ نراها تخوض غمار السرد القصصي القصير
بتقليعة جديدة؛ إذ إنها توظف القصة القصيرة كوسيلة للتعبير عن ما حولها بروح من
النقد الجاد تارة والهزلي تارة أخرى؛ بلغة إبْريَّة واخزة؛ تستفز القارئ وتدفعه
للمشاركة في تأثيث فضاء قصصها باعتباره مكونا أساسيا من مكونات الكتابة السردية،
وما يساعدها في ذلك أن قصصها جاءت حبلى بالمعاني؛ تلك المعاني التي تجردت من المقصدية المباشرة
فأنتجت مجالا خصبا للتأويل والتخييل؛ الشيء الذي يؤدي إلى تعدد القراءات وتعدد
التأويلات.
فقد انفتحت القاصة
على شكل قصصي جديد يناسب قوة الواقع ويعبر عن نبض الحياة المعاصرة المعقدة؛
فنراها تعالج مواضيع حياتية نعيشها جميعا؛ الغيرة... الشعوذة.. العنوسة... وقد
تناولتها من نواح مختلفة منها النفسي والاجتماعي والأنتروبولوجي...وأشعرتنا بأن
الإنسان مها اتسعت معارفه ومداركه فإنه يبقى رهين التقاليد الاجتماعية ورهين
القاسم الثقافي المشترك...
وبهذا فإن المجموعة القصصية تستقي جماليتها من بلاغة
الفضح ورمزية الكشف؛ لأن الكاتبة تفضح الاعوجاج وترغمه على الظهور بصراحة وخشونة
لكي تدفع القارئ إلى أخذ الدرس والاتعاظ من قضايا اجتماعية تشوه المجتمع وتؤدي به
إلى الانحراف؛ وبذلك يتحول السرد القصصي إلى آلية فنية للاختراق النفسي؛ تستبطن
أعماق الشخصيات وتفضح عوالمها الداخلية؛ أملا في تحريرها من قلقها وتوترها أو كشف
بنيتها الروحية التي تبلورها الخصوصيات الاجتماعية والفكرية والنفسية...
ومما يلفت الانتباه في هذه المجموعة القصصية أنها
مجموعة متفلتة لايمكن للقارئ/الناقد تصنيفها جازما في خانة السرد القصصي القصير؛
لأن القاصة اشتغلت على ثيمة واحدة منذ بداية المجموعة إلى نهايتها؛ كما أنها اتخذت
شخصية محورية هي (شروق) التي دارت حولها جميع القصص وكأننا أمام رواية حداثية
قصيرة؛ رواية معنونة كل فصل فيها مستقل بذاته؛ مما يعطي للمجموعة القصصية حالة من
الاتصال السردي الذي يشد انتباه القارئ ويدفعه إلى قراءة المجموعة إلى آخر نفس
فيها؛ ليعلًق نفسها أخيرا في ذهن القارئ
ليعيد إنتاجها من جديد.
ولكي لا أحرق أوراق المجموعة القصصية أترك للقارئ
العربي فرصة الاطلاع والاستمتاع بحلاوة السرد القصصي القصير بلغة مشوقة تتمايل بين
منطق القصة وجمالية الشعر...
محمد يوب

تعليقات
إرسال تعليق
شكرا لحضورك واهتمامك